in

فوارق القياس واختلاف السياق بين الصخيرات ولجنة الـ75

مع قرب انتهاء التسوية السياسية التي ترعاها البعثة الأممية بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة تزداد المخاوف من فشلها أو عرقلة تنفيذها، ويستحضر الكثيرون تجربة الاتفاق السياسي الموقَّع في الصخيرات، وما حدث بعد توقيعه من تجاذبات وخلافات أدت إلى تنفيذه منقوصاً، وهو ما أدى إلى استمرار حالة الصراع التي كانت نهايته العدوان على العاصمة طرابلس، وبلوغ حالة الانقسام والتشظي أقصاها في كيان الدولة وجسد الوطن.

التخوف من مصير اتفاق الصخيرات السياسي قد يكون موضوعياً للوهلة الأولى باعتباره الحالة الليبية الوحيدة التي يمكن القياس عليها، ولكن بالنظر لمآلات ذلك الاتفاق، وكذلك التأمل في سياقات وظروف التسوية السياسية الحالية، يظهر أن هناك فوارق جوهرية بينهما، وقياسهما على بعضهما فيه حياد عن الموضوعية وتجاهل لكثير من المعطيات المؤثرة على الصعيد الوطني والدولي.

فاتفاق الصخيرات رغم الحديث عن فشله أو عرقلته -بحسب منتقديه أو مؤيديه- استطاع أن يخلق إطاراً جديداً للعملية السياسية، وحرم المشروع العسكري من كثير من أدواته السياسية، وبعث المؤتمر الوطني العام للحياة في المجلس الأعلى للدولة، ليكون صمام الأمان الذي منع مجلس النواب من العبث في كثير من الملفات، ولولا التركيبة المختلة للمجلس الرئاسي وضعف شخصياته لكانت الأزمة الليبية قد حُلّت بهذا الاتفاق.

من جانب آخر فإن اتفاق الصخيرات وُقع في مرحلة لازالت كثير من الدولة المعنية بليبيا تراهن على حفتر ومشروعه العسكري، وفي مقدمتها فرنسا ومصر والإمارات، وهذه الدول خاصة فرنسا هي التي أتاحت لحفتر المجال في عرقلته لتنفيذ الاتفاق، على عكس السياق الحالي للتسوية الجارية الآن، فالرهان على الحسم العسكري من أي طرف دولي يعني مزيداً من التدخل العسكري الأجنبي، وهو ما يجعل ليبيا منطقة توتر قد يحدث فيها صدام بين الدول ذات المصلحة الإستراتيجية فيها، وهذا الأمر هو ما يجعل العملية السياسية أفضل وأسلم خيارات التنافس.

أيضاً على الصعيد المحلي أصبحت الحاجة ملحة لبعث العملية السياسية في إطار جديد، فالصراع العسكري الذي بلغ ذروته بالعدوان على طرابلس أسقط كل دعاوى محاربة الإرهاب، وفضح كذبة المؤسسة العسكرية التي يدعيها حفتر، وأظهر حالة العجز والفساد المسيطرة على حكومة المجلس الرئاسي، وكشف عن حالة التغول الرهيب للمليشيات، كما أن الانقسام الحاد وغياب السلطة القادرة على ضبط المؤسسات جعل من مؤسسة سيادية كالمصرف المركزي أداة للابتزاز والمناكفة السياسية يكون ضحيتها المواطن المُرهَق بتتابع الأزمات.

وفي الحالة الليبية لا يمكن تجاهل نضج الصراع بين مختلف الأطراف، والذي ظهر في الحوار الطويل والشاق حول اختصاصات السلطة التنفيذية وآليات اختيارها، فهو يعكس قناعة لدى مختلف الأطراف بأن الحوار والتفاوض هو الخيار الوحيد في الوصول إلى السلطة، والزخم الذي تحظى به عملية الترشح للسلطة التنفيذية شاهد على ذلك.

كما أن عملية التسوية السياسية التي اتخذت من المحاصصة بناء على الأقاليم التاريخية إطاراً لها تؤكد أمرين مهمّين، أولهما: إدراك الجميع عدم إمكانية إنهاء الصراع عن طريق الحلول الانفصالية وأن المحاصصة ضمن إطار الوحدة هو الممكن الوحيد، وثانيهما: أن الشراكة في العملية السياسية لضمان العدالة في توزيع الموارد وإنهاء حالة الفساد القائمة على مركزية السلطة لن يكون إلا عبر هذه المحاصصة التي قد تخفف من تداعياتها المعايير التي تم التوافق عليها فيمن سيتولى المناصب المقسومة بحسبها، ولا شك أنها ستختفي متى ما اختفت مركزية الفساد والإهدار والإقصاء.

إن التسوية السياسية التي سينتجها ملتقى الـ75 -بلا شك- ليست مثاليةً ولا مضمونة النجاح والتنفيذ، ولكنها أيضا نتيجة طبيعية لحالة الصراع الحاد وانهيار الثقة وتصدّع كيان الدولة وتمزق النسيج الاجتماعي، ومع ذلك فإنها ستخلق واقعاً سياسيا جديدا عبر سلطة تنفيذية لن تُعدّ للانتخابات وتوحد المؤسسات فحسب، بل سيكون التعويل عليها في إعادة تشكيل خريطة المصالح الدولية في ليبيا بعيداً التدخلات العسكرية.

الشكشاك: الوضع الوبائي مُستقر في تاورغاء ولم نسجل إصابات بكورونا في الثلاثة أسابيع الاخيرة

سامسونج ترفع الستار عن سلسلة جالكسي S21 مع معالجات بتقنية 5 نانومتر