in

قبح نظام سبتمبر لا تزينه تعثرات فبراير وعثراتها.. فلا تهرطقوا

تابعت جزءا من كلمة إبراهيم أبوخزام أحد المسؤولين في نظام القذافي ألقاها في احتفالية بمناسبة مرور واحد وخمسين سنة على انقلاب سبتمبر المشؤوم، ومع أنه لا تشدني هذه الشخصيات، إلا أن الفضول دفعني إلى متابعة بعض من كلمته، وكنت أظن أن له شيئا من العقل، ولكن أستطيع بعد سماع كلام دوردة وأبوخزام أن أقول كبّر على هؤلاء القوم أربعًا.

يُنسب إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول معناه: أخشى على الإسلام إذا نشأ فيه جيل لم يعرف الجاهلية، وهو بذلك يعني أهمية أن تتعرف الأجيال التي لم ترَ الجاهلية على مستوى انحطاطها الذي بلغ أدنى المستويات؛ لتزداد إصرارا على التغيير المنشود في ظل القيم التي جاء بها الإسلام، ونحن هنا لسنا بصدد المقارنة ولكن العبرة بالمعنى.

فمن الذي قاله أبوخزام في استعراض أجوف لرؤوس عناوين، تقسيمه المعلومات إلى راجحة وحقيقة وبديهيات، وبغض النظر عن صحة هذا التقسيم، فالذي يهمنا أنه ضرب مثالا للحقائق بالرياضيات مثل أن مجموع زوايا المثلث 180 درجة وهكذا، أما البديهيات وهي أعلى من الحقائق حيث لا تحتاج في إثباتها إلى دليل فقد ضرب لها أمثلة عجيبة مثل أن القذافي زعيم عالمي وأن “ثورة الفاتح ثورة عالمية”.

أبوخزام وأمثاله الذين عاشوا في الوحل والضحالة الفكرية أسرى المقارنات بين السيء والأسوأ منه، وليست لهم القدرة إلا على الدوران حول هذا الماضي المخزي لا يستطيعون التحرر من حقبة زمنية تعيسة جرّت علينا كل هذا الدمار والتخلف والخراب.

الشفقة هي ما نقابل به هؤلاء العاجزين عن رفع رؤوسهم إلى الفضاء الرحب وإدراك أن العالم تغير، وأن هناك مسارات أخرى تتطلع لها الأجيال الجديدة تحقق آدمية الإنسان وكرامته حتى وإن كانت التغيّرات عسيرة والتكاليف باهظة.

حالة الانفصال عن الواقع وبكاء الأطلال تجعل هؤلاء لا يدركون أن المنطقة تشهد تحولات كبرى، وأن ما يشاهدون هو مخاض كبير لولادة أمة كانوا أحد أسباب أزمتها وتخلفها، وقد قيل كلما كان المولود كبيراً كان المخاض عسيرًا، والمولود هو إرهاصات نهوض هذه الأمة، ومهما كانت مراحل التحول صعبة وعسيرة، وعوامل مقاومة التغيير -وهؤلاء جزء منها- عنيدة، فإن العجلة لن تعود إلى الوراء.

محاولة استغلال تقلبات مراحل التحول وإخفاقاتها والصعوبات التي تواجهها من أجل إحياء مشروع ميت لن يجدي نفعا، خاصة إذا كان هذا المشروع هو من أوصل البلاد إلى هذا المستوى من التخلف والجهل والاستبداد وانعدام البنية التحتية، فنحن لم نخرج بعد من مرحلة التحول ولم نصل إلى الاستقرار المنشود حتى يحق لمثل هؤلاء أن يخرجوا من جحورهم ويتبجحوا علينا بأنه كان هناك دولة وزعيم وجماهيرية عظمى مستغلين سوء الأوضاع والمؤامرات الإقليمية والدولية لوأد أي مشروع يخرج منطقتنا من الاستبداد، ويكوّن في شعوبنا قوة تبني نهضتها وتمتلك بها إرادتها.

لهذا وجب على الأجيال التي لم تعايش النظام الجماهيري أن تعرف هذا النظام الذي يبشر به أمثال أبوخزام و ما صنعه الزعيم الذي حكم بلا شريك أربعة عقود وبدد مئات المليارات على نزواته ومغامراته المجنونة والقريبة إلى الشذوذ السياسي والاجتماعي، ومقولاته كانت أضحوكة العالم مثل المرأة تحيض والرجل لا يحيض وهي رقيقة وهو غليظ، وما فعلته عصابة اللجان الثورية التي عاتت في الأرض فسادا، ومثلت الحزب الأوحد الذي يسبح بحمد القائد المجنون، لتدرك معاناة الأربع عقود السوداء وما كان فيها من خراب وضياع للمقدرات وإفساد وإهلاك للحرث والنسل وتفويت الفرصة لبناء دولة كانت قد انطلقت نواتها قبل انقلاب القدافي المشؤم وما نال هذا الوطن وهذه الأمة في إثر مغامرات الصقر الوحيد.

إن مخاض التغيير والظروف الصعبة التي تمر بها ليبيا لم تترك الفرصة لمن عاش هذه العقود السوداء لكشفها أمام الأجيال المتأخرة، ولكن لا تستعجلوا فلا زالت على قيد الحياة الأجيال التي عاشت هذه الحقبة السوداء، والتي أجزم بأنها عار وخزي لكل من شارك فيها لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث فسادا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الأخلاقي، وما طفح من اعترافات لبعض المقربين من هذا النظام في لحظات صحو الضمير خير شاهد على هذا، وكثير منه منشور ومتداول.

إن الاخفاقات والمؤامرات التي حيكت وتحاك لمواجهة الربيع العربي والتغيير المنشود ستجعل من الشعوب أكثر نضجا وفهما لواقعهم، وتعطيهم الخبرة وتعزز فيهم المقدرة للنهوض وبلوغ ما ضحوا ولا زالوا يضحون في سبيل، وأما المتبجحون من بقايا اللجان الثورية وشراذم هذا النظام العفن فستدوسهم عجبة التغيير التي لن تتوقف حتى تبلغ منتهاها بإذن الله.

علماء ألمان: الإصابة بالزكام قد تحميك من فيروس كورونا

238مدنيا و44 طفلا حصدت أرواحهم ميليشيات حفتر في العدوان على طرابلس