in

الدور الأمريكي في ليبيا.. حياد بين أطراف الصراع وانحياز للمصالح

التحرّكات الأمريكية الأخيرة فيما يخصّ الملف الليبي يبدو أنها تحاول إعادة التوازن إلى المشهد الليبي من خلال تجميد الأعمال العسكرية وفتح ملفات مشتركة بين أطراف الصراع تقوم فيها بدور التنسيق والإشراف، ويظهر هذا جلياً في لقاء زوارة الذي جمع مسؤولين من حكومة الوفاق على رأسهم رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج مع وفد أمريكي ترأسه السفير الأمريكي ريتشارد نولاند وقائد الأفريكوم ستيفين تاونسند، ثم اللقاء الذي عقد عبر الفيديو بين قيادات من معسكر الكرامة ومسؤولين أمريكيين من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي إضافة إلى السفير نولاند.

الملف الأمني هو ما يشغل الجانب الأمريكي بالدرجة الأولى، وتحاول واشنطن من خلال عملها على هذا الملف ضمان عدم تكرار سيطرة المليشيات على مؤسسات الدولة في العاصمة طرابلس وقد حقّقت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق خطوات جيدة على هذا الصعيد، وهناك بوادر لخطوات أخرى جيدة تقوم بها رئاسة الأركان لدمج القوات المساندة في مؤسسات الدولة، لكن تبقى مليشيات الكرامة هي الهاجس الأمني الذي يؤرق الأمن الإستراتيجي الأمريكي في المنطقة، خاصة أنها أصبحت تمثّل خليطاً معقّداً من المجرمين الخارجين عن القانون والمتهمين بانتهاكات جسيمة ترقى لجرائم الحرب، إضافة للجماعات المتطرفة من السلفية المدخلية والمجموعات القبلية، والذي يزيد الوضع تعقيداً هو التمدّد المطّرد لمرتزقة الفاغنر الذين يساندهم المرتزقة السوريون الموالون لبشار الأسد، مع مجموعات من المرتزقة الأفارقة التشاديين والسودانيين، والذين لا يوجد سيطرة فعلية وكاملة على تحرّكاتهم من قبل حفتر.

إستراتيجية واشنطن في هذه التحرّكات غير واضحة الآليات تماماً، وإن كانت وزارة الخارجية في بيانها الأخير قد أسمتها بـ”الحياد الفعّال”، وأعتقد أن هذا الحياد يمكن تفسيره بانحياز واشنطن لمصالحها التي يمكن تأمينها بالعمل مع كلا الطرفين.

استمرار تواصل واشنطن مع معسكر الكرامة وقيادته المتمثلة في حفتر رغم التعاون الوثيق بينه وبين موسكو ربما يكون محاولة أخيرة لإخراج حفتر من دائرة النفوذ الروسي بالطريقة الناعمة، وإن كان هذا الأمر صعباً الآن بعد التغلغل الروسي الكبير في معسكر الكرامة، ولعلّ إبقاء قنوات تواصل فعّالة مع هذا الطرف، والعمل على بناء قاعدة للتسوية السياسية بما يتماشى مع المصالح الأمريكية يبدو أنّه الطريقة المتاحة حالياً لتحجيم الوجود الروسي ومنع أن يصبح هذا الوجود رسميّاً.

تحاول واشنطن أيضاً إبعاد موارد النفط والطاقة عن أيدي الدب الروسي في ليبيا، وهناك تخوفات جديّة لدى واشنطن من مساعي موسكو إلى الاستحواذ على سوق النفط والطاقة، وحرب سوق النفط الأخيرة بين موسكو والرياض جعلت هذه التخوفات في ازدياد، ويبدو أن ضمان بقاء المنشآت النفطية تحت سيطرة وإدارة المؤسسة الوطنية للنفط من شأنه أن يجعل روسيا بعيدةً عن هذا القطاع، وفي سبيل هذا تسعى واشنطن إلى وضع أزمة إغلاق النفط في سياق التفاوض حول وقف إطلاق النار والإصلاح الاقتصادي، وربما من خلاله قد تتضح ملامح التسوية السياسية.

ومع هذه التحركات النشطة للجانب الأمريكي يبقى الدور التركي مهماً لدى واشنطن كخط دفاع أخير يمكن أن يواجه الوجود الروسي ويتفاوض معه مباشرةً في ظل استبعاد تام لأي مواجهة مسلحة بين العم سام والدب الروسي في المنطقة، ومن المؤكد أن التعويل الأمريكي على الدور الأوروبي تراجع جداً، خاصة بعد النهج الفرنسي غير المتوافق مع واشنطن، والانقسام الأوروبي الحاصل بسببه.

ولا يمكن إغفال ضرورة تفاعل حكومة الوفاق مع التحرّك الأمريكي بما ينسجم مع تحقيق شراكة بين الجانبين تضمن مصالح كليهما، ويعزّز الثقة في حكومة الوفاق كشريك قادر على ذلك.

العلاقات التركية الليبية…شراكات متنامية…وزخم متواصل

بناء المؤسسة العسكرية ودعم الوفاق … محور زيارة الوفد التركي إلى ليبيا