in ,

ضبابية المشهد الليبي.. التنافس الدولي يحتد والأزمة تمتد

منذ وصول قوات الوفاق مشارف مدينة سرت اكتسى المشهد الليبي بحالة من الضبابية، وأصبحت المؤشرات وما يمكن فهمه من التصريحات المتعلقة بالشأن الليبي لا تعكس موقفاً أو توجهاً واضحاً للأطراف الدولية والإقليمية المعنية بليبيا، خاصة وأنها تؤثر بشكل مباشر في العملية السياسية التي ترعاها وترسم مسارهاقي ظل ضعف كل الأطراف الليبية، وحالة النزاع الحاد وانهيار الثقة فيما بينها.

ضبابية المشهد الليبي تجعل الحديث عنه شائكاً وربما محرِجاً، بسبب شُح المعطيات وعمومية المواقف وجنوحها إلى الدبلوماسية المنافقة التي لا تعبّر عن حقيقة تحركات هذه الدول ومواقفها، ولابدّ لنا ونحن نحاول استجلاء الموقف في الملف الليبي أن نفكك المشهد ونضع جزئياته في سياقاتها الصحيحة، لعلّ الصورة تتكشف ولو جزئياً عن مستقبل الأزمة.

نستطيع القول إن تحرير العاصمة طرابلس وإخراج حفتر من الغرب الليبي كان بمثابة إسدال الستار عن وهم “الحسم العسكري” الذي استمرّت معركته في أربعة عشر شهراً، وكان من نتائجها المؤلمة للدول التي دعمت مجرم الحرب حفتر أو غضّ الطرف عن جرائمه، دخول لاعبَيْن جديدَيْن في الأزمة الليبية هما (تركيا وروسيا)، حيث أصبح دورهما محورياً وهامّاً بعد أن كان غير مؤثر في المحطات السابقة في باريس وباليرمو.

وإذا كان الحضور الروسي في ليبيا يمثل تهديداً للأمن الإستراتيجي لأوروبا والولايات المتحدة، فإن الدور التركي المُجَابه للوجود الروسي لا يمثّل الخيار الأمثل لأوروبا والولايات المتحدة وإن كان هو المتاح حالياً في ظل استبعاد أي صدام مباشر مع روسيا في المنطقة.

ويبدو أن روسيا بسحب مرتزقتها من الغرب الليبي وتوجهها نحو قاعدة الجفرة العسكرية لتتمركز بها، قد اتخذت خطوة جدّية للبقاء في ليبيا، فالجفرة تمثل حلقة الوصل بين غرب وشرق وجنوب ليبيا، كما أنها تقع بين قاعدتين عسكريتين مهمّتين هما قاعدة القرضابية في سرت، وقاعدة تمنهنت القريبة من سبها، وهي بذلك تقطع الطريق أمام النفوذ الأوروبي خاصةًالفرنسي الحالم بتأمين بوابة له على البحر الأبيض المتوسط يربطه بمناطق نفوذه في وسط القارة الأفريقية، لذلك فروسيا تريد المحافظة على وجودها المؤثر لضمان إدارة العملية السياسية بما ينتج مخرجات تضمن بقاءها في ليبيا.

فيما يخص تركيا، فإنها تدرك خطورة المصادمة مع روسيا التي تجمعها معها ملفات ومصالح مهمة في المنطقة، وفي الوقت ذاته تدرك أهمية حصول حكومة الوفاق على أوراق تفاوض قوية أبرزها السيطرة على الهلال النفطي وقاعدة الجفرة، وبما يضمن استبعاد حفتر من المشهد نهائياً.

من جانب آخر فإن محور الاستبداد العربي (مصر والإمارات والسعودية) تحاول احتواء تداعيات الهزيمة والمغامرات التي خاضها مجرم الحرب حفتر، ويمكن القول إن المبادرة المصرية التي أعلنها السيسي تهدف إلى إنهاء الخلاف بين رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح ومجرم الحرب حفتر، الذي نشأ بعد مهزلة التفويض التي نادى بها حفتر، كما أن الإصرار على إغلاق الحقول الحقول النفطية يعكس تمسك هذا الطرف بأي ورقة مساومة بعد خسارته أغلب أوراقه، وربما كانت ورقة التقسيم مطروحة في حال تطور الأحداث بشكل لا يخدم أطماع محور الاستبداد.

وفي ظل هذه التطورات يبقى الموقف الأوروبي والأمريكي غير محسوم من الملف الليبي، والضغط من أجل إيقاف العمليات العسكرية محاولة لإعادة الملف الليبي لحالة التوازن العقيم بين الأطراف الليبية، إلى حين حسم خياراتهم بشأن هذا الملف، والذي يبدو أنهم غير مستعجلين على حسمه بشكل كبير.

يدرك ساسة أوروبا والولايات المتحدة صعوبة إنجاح عملية سياسية بوجود مجرم الحرب حفتر أمر صعب وغير ممكن، ولكن الإبقاء عليه وتجاهل جرائمه المروّعة في جنوب العاصمة طرابلس ومدينة ترهونة، يؤكد أن حرصهم الشديد على إحياء مخرجات برلين محاولة لاستعادة القيادة في إدارة هذا الملف، ولكن يبدو أن هذا الأمر لن يكون متاحاً بشكل كبير إذا تم تجاهل الدور التركي، الذي لازالت ترفضه فرنسا خصوصاً رغم تضرر مصالحها من الوجود الروسي أيضاً.

وفي خضمّ هذا التنافس الدولي حول ليبيا، والذي قد يرقى لحالة صراع واضح في أي لحظة، فإن دور الأطراف الليبية سيبقى هشّاً وغير مؤثر، ومرهوناً للحلفاء الأقليميين، ويبقى معه شعار الحل (الليبي الليبي) صالحاً للاستهلاك الإعلامي والدبلوماسي فقط، ولا يمكن التعويل إلا على لغة المصالح، وإيجاد حكومة الوفاق لصيغة مقبولة تضمن مصالح الدول الأقرب إليها دون التفريط في موقفها الثابت والرافض لأن يكون مجرم الحرب حفتر جزءاً من المشهد.

أقطاي: من الممكن التفاهم مع روسيا في ليبيا شرط موافقة الوفاق

الدفاع التركية تعلن بدء قواتها المختصة إزالة الألغام جنوب طرابلس