in

الانتصارات العسكرية وتحدياتها السياسية

بتحرير قاعدة الوطية العسكرية أصبح التفوق العسكري لقوات بركان الغضب جلياً وواضحاً، كما أن الارتباك وحالة التخبط التي تعانيه قيادة مليشيات حفتر أصبحت ظاهرة وبرزت بشكل واضح في المؤتمر الصحفي الأخير للناطق باسم حفتر أحمد المسماري، الذي تحدث فيه عن هدنة وتراجع في بعض المحاور لإعادة التموضع ولحسابات تكتيكية -بحسب تصريحه-، وهو ما اعتبره كثيرون تمهيداً لانسحاب واسع من محاور جنوب طرابلس، بعد النجاح الكبير الذي حققته إستراتيجية قطع خطوط الإمداد التي اتبعها سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق بدعم مهم من الحليف التركي.

هذا التغير الكبير واللافت في موازين القوى، وظهور مليشيات حفتر في حالة تقهقهر وانكماش بعد تساقط المدن والمناطق التي يسيطر عليها تباعاً دون مقاومة تذكر، يبشّر بقرب إنهاء وجودِه في الغرب الليبي، وهو ما يعني رسمياً فشل حملته العسكرية على العاصمة طرابلس وخروج خيار الحسم العسكري من معادلة الصراع الليبي، كما أن هذا التطوّر السريع في الأحداث يفتح الأفق لتساؤلات محيّرة ومقلقة عن ملامح العملية السياسية القادمة التي ستعقِب انكسار حفتر في غرب ليبيا.

قد تأخذ البعض نشوة الانتصارات والتقدّم العسكري الكبير، ويدفعُه إلى تبنّي الخيار العسكري لحسم الصراع، ولا شكّ أن هذا خطأ إستراتيجي سيؤدي في النهاية إلى تضييع هذه الانتصارات، ويعطي لحفتر فرصة أخرى ليبقى في المشهد، فاستمرار الصراع المسلح هو ما يقتات عليه مشروع حفتر العسكري، إضافةً إلى أن التمادي في الخيار العسكري سيشتت قوات حكومة الوفاق ولن يدعمه الحليف التركي الذي يدرك مدى كلفته سياسياً وعسكرياً، لذلك فإن الأولوية ينبغي أن تكون بتحديد نهاية للعمليات العسكرية تعطي مكاسب مهمة يمكن الحفاظ عليها وتضمن التفوق على طاولة التفاوض السياسي.

ومع هذا فإن هناك تحديات سياسية أمام المجلس الرئاسي وحكومته بدأت ملامحها تظهر مع التقدّم العسكري لقوات بركان الغضب، هذه التحديات سواء على الصعيد الداخلي والخارجي ينبغي التعامل معها بشكل سريع وحازم حتى لا تكون سبباً في إهدار الانتصارات العسكرية، ولعلّ أبرز هذه التحديات على الصعيد الخارجي هو ارتفاع وتيرة الضغوطات على حكومة الوفاق من أجل العودة إلى المفاوضات ووقف العمليات العسكرية، وغير خافٍ أن هذه الضغوطات تأتي لسببين:
الأول: محاولة الأطراف الداعمة لحفتر احتواء الموقف العسكري، وعدم سقوط حفتر عسكرياً بشكل تام في غرب ليبيا، وهو ما سيجعل موقفه التفاوضي هشاً وضعيفا.
الثاني: انزعاج كثير من الدول -خاصة الأوروبية- من تنامي الدور التركي في ليبيا الذي تراه تهديداً مباشرة لمصالحها في ليبيا، هذا الدور الذي سيصبح أكثر ثباتاً ورسوخاً في حال انكسار حفتر عسكرياً في غرب ليبيا.

وعلى كل حال فإن سرعة إنهاء وجود حفتر في غرب ليبيا سيكون الوسيلة الأنجع لتجاوز هذه الضغوط.

أيضاً من التحديات المتوقّع بروزها هو الضغط باتجاه التعاطي مع مبادرة عقيلة صالح التي بدأت تلقى ترحيباً وتجاوباً من المجتمع الدولي، بعد أن أصبح من الصعب العمل على مخرجات برلين في ظل حدة التوتر والصراع، وأعتقد أن خروج مجلس النواب المنعقد في طرابلس والمجلس الأعلى للدولة بمبادرة سياسية موحّدة وذات مقاربة أكثر واقعية سيكون التجاوب الأفضل مع مبادرة “عقيلة”.

كما لا ينبغي -في معرض الحديث عن الانتصارات العسكرية- إغفال ما تفرضه طبيعة البيئة السياسية من تطلّع بعض الأطراف السياسية غير المؤثرة إلى البروز وإعادة التموضع، وهذا ما سيثير نوعاً من التنافس والتدافع الداخلي الذي قد يؤثر على حكومة الوفاق الهشّة في تركيبتها وأدائها، وهو ما سيفرض على المجلس الرئاسي بشكل أكثر إلحاحاً أن يصلح من أدائه وأداء حكومته، وهو أيضا ما يفرض على القوى المدنية ممارسة الضغط عليه للمضي في هذا الاتجاه الإصلاحي، كما أن بروز دور القوى المدنية من شأنه أن يعطي زخماً لأي عملية سياسية قادمة ويدفع بها إلى الأمام.

تركيا والولايات المتحدة يؤكدان ضرورة إيقاف ممارسات حفتر المخالفة للقانون ودعم الوفاق

عودة النازحين وبسط الأمن…ملفات شائكة تواجه الرئاسي بعد التحرير