in

حفتر وعقيلة.. الحُكمُ غايةٌ وسيلتُها الانقلاب والقبيلة

حالة التقهقر والانهزام التي مُنيت بها مليشيات خليفة حفتر في الأسابيع الأخيرة، والتي كان أبرزها تحرير مدن الساحل الغربي في زمن قياسي، ومحاصرة قاعدة الوطية الجوية ومدينة ترهونة القاعدة الرئيسية لمليشياته التي تقاتل في جنوب طرابلس، كل هذا فرض على خليفة حفتر ضرورة مراجعة حساباته وإعادة تقييم وضعه عسكرياً وسياسياً، خاصةً بعد مرور سنة على عدوانه على طرابلس، وفشله في تحقيق أي تقديم سوى انكشاف كل سوءاته وزيادة الحرج لداعميه الذين أصبحوا مضطرين لاتخاذ مواقف أكثر نفاقاً وتدليساً بسبب فشل حليفهم الواضح والمستمر.

الجميع بات يوقن أن حملة حفتر العسكرية فشلت في تحقيق أهدافها، وأن حفتر في حال انكماش قد يكون سريعاً ومكلفاً، لذلك فإن إعادة التموضع عسكرياً وسياسياً يبدو أنسب الحلول لتلافي تداعيات فشله العسكري الذي جرّ على داعميه مشكلةً كبيرةً تمثّلت في الدور التركي الذي تنامى بسرعة ليصبح أكثر عمقاً وتأثيراً من أي وقتٍ مضى.

وفي هذا السياق جاء إعلان حفتر عن إسقاط الاتفاق السياسي بعد مسرحية هزلية سُمّيَت “التفويض”، فالاتفاق السياسي يمثل العقبة الكأداء التي تعيق حفتر للوصول إلى السلطة، خاصّة أن حفتر حصر نفسَه في الجانب العسكري، وأي عملية سياسية تنطلق من الاتفاق السياسي لن تخرجه من الجانب العسكري حتى وإن أعطته صلاحيات أخرى واسعة غير مباشرة، وهو ما لا يرضي هوسَه بالسلطة والحكم.

فحفتر يريد أن يقدّم نفسه سياسياً كزعيم شعبي قاد ثورة ألغت ثورة فبراير، ولا تعنيه أي اتفاقات أو تفاهمات، وبالتوازي يحاول الحصول على بعض الوقت لإعادة تموضعه عسكرياً في غرب ليبيا من خلال تحصين ترهونة والنقاط التي يسيطر عليها جنوب طرابلس، وهذا ما دفعه إلى الإعلان المفاجئ عن هدنة طيلة شهر رمضان، ليلتقط أنفاسه ويعيد ترتيب قواته ويحاول إيصال الدعم إليها، إضافة إلى انتظاره تدفق مزيد من المرتزقة الذين يعمل طحنون بن زايد على تأمينهم له من السودان وتشاد.

في جانب آخر، دفعت حالة الانهزام رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح أن يتحرّك ليستعيد شيئاً من دوره الذي خسره بسبب مغامرة حفتر في طرابلس، حيث أصبح مجلس النواب لا يمثّل أي ثقل سياسي بانقسامه، وانعقاد جلساته في طرابلس. تحرّك عقيلة صالح لم يختلف في هدفه عن تفويض حفتر وانقلابه، فغاية الاثنين تجاوز الاتفاق السياسي، غير أن عقيلة صالح اتخذ القبيلة والبُعد الاجتماعي وسيلة للقفز على الاتفاق السياسي، ويبدو أنّ تحركه هذا جاء بطلبٍ روسية كما صرّح هو في فيديو مسرب له، وهذا ما أثبته أيضاً ترحيب المتحدثة باسم الخارجية الروسية التي اعتبرت مبادرة عقيلة صالح إيجابية.

وهنا محلّ استفهام لا يمكن تجاوزه هو: لماذا تريد روسيا تجاوز الاتفاق السياسي باستدعاء الدور القَبلي في الحل السياسي وفق مبادرة عقيلة صالح؟ الظاهر أن روسيا التي تعوّل على عودة أنصار النظام السابق إلى المشهد، وتحاول التسويق لسيف القذافي ترى استخدام الزخم القبلي وسيلة مناسبة لولوج ابن القذافي إلى المشهد من جديد، وهذا ما يؤكده تقرير النيويورك تايمز الأخير الذي تكلّم عن تفاصيل تتعلق بحادثة القبض في طرابلس عن روسيين التقيا بسيف القذافي في مارس 2019.

أيضاً فإن تواصل الروس مع عقيلة صالح على الصعيد السياسي يؤشر إلى أنهم يعتبرون حفتر حالة مرحلية لا يمكن استدامتها أو التعويل عليها، بل هو قنطرة يعبر بها سيف القذافي إلى ميدان السياسة من جديد.

وبالعموم فإن هذه التطورات الأخيرة تؤكد حقيقة واحدة هي: أن الأزمة الليبية أصبحت في نقطة هي الأبعد عن الحل السياسي أكثر من أي وقت مضى، وأن الحل السياسي لن يكون متاحاً ما لم يحدث انكسار حقيقي لمليشيات حفتر بإخراجه من المنطقة الغربية افتكاك قاعدة الجفرة منه، وهذا ما ينبغي أن يشتغل عليه المجلس الرئاسي ويضعه في أولوياته، مع عدم إغفال العمل السياسي الداعم للمجهود العسكري.

للكاتب الليبي: علي أبوزيد

السفير الأمريكي يبحث رفقة وزير التخطيط التعاون في مجال الصحة

عمليات سرت – الجفرة تؤكد رفضها المهادنة مع “الظالمين” وجاهزيتها لأي أوامر تصدر لها بالتقدم