in

رحيل سلامة … أسباب وتداعيات

أكثر من عامين وثمانية أشهر قضاها سلامة يرتحل محليا وخارجيا حاملا قبل اسمه صفة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا ورئيسا للبعثة فيها؛ كان ختامها يوم الثاني من مارس 2020 عندها أقر بأن حالته الصحية لم تعد تسمح له بالعطاء أكثر؛ مردفا بأنه قد تقدم بطلب لأمينه العام بإعفائه من مهامه.

ما عاشه سلامه وقام به خلال عمله في ليبيا كثير ومحطاته عديدة؛ لا يمكن الإسهاب فيها كثيرا لطولها ولكن أبرزها كان التالي.

1_ جمع أعضاء لجنتي تعديل الاتفاق السياسي بتونس مراراً حتى يتم تضمينه بالإعلان الدستوري من قبل النواب ” وهو مالم يتم ” لأسباب لا علاقة للبعثة بها.

2_ جمع الأطراف المتداخلة في حرب طرابلس الأولى ” سبتمبر 2019 ” والإشراف على عملية وقف إطلاق النار فيما عرف باجتماع الزاوية.

3_ التحضير للملتقى الوطني بغدامس والذي لم يكتب له بأن يصير بفعل دبابة حاكم الرجمة.

4_ التنسيق للقاءات عديدة جمعت الأطراف الليبية بغية التقريب فيما بينها حتى يتم التوصل لحل ينهي الصداع الليبي. 5_ إحاطات عديدة قدمها سلامة لمجلس الأمن تحمل في طياتها تفصيلا مملا حول ما يحصل في ليبيا.

6_ العمل على الطرق الثلاث عبر لجان الحوار العسكرية المعروفة باسم الـ 5+5؛ والسياسية والاقتصادية والتي ترعاها البعثة جميعاً.

اليوم صار وقع استقالة سلامة مهمّا أكثر مما قدمه؛ فليس الكل مقتنعا بأن صحته التي لربما تكون قد تضعضعت قليلا هي السبب الرئيس للاستقالة؛ بل تم الذهاب لسببين اخرين هما.

الأول _ ضغوطات دولية على سلامة لكي يبتعد عن المشهد؛ خصوصا وأن سلامة في ذاته مقتنع بالحل السياسي للأزمة لدينا وهو ما لا ترتضي به دول مثل فرنسا صاحبة النفوذ والسلطة وكذلك الإمارات صاحبة الأموال والمصالح لدى كبريات الدول الفاعلة؛ كذلك توجد الولايات المتحدة الأمريكية التي سبق لها وأن عينت ستيفاني ويليامز لتكون نائبة للشؤون السياسية الخاصة بالبعثة فلربما ترا الولايات الآن أنه لابد لستيفاني أن تخلف سلامة وتتصدر المشهد لكي يتم التوصل الى الحل.

الثاني _ علم سلامة المسبق عبر المعطيات التي تصله يوميا ” نستذكر هنا عندما قال بأنه يعرف عن الليبيين مالا يعرفونه عن أنفسهم وقد كان صادقاً في ذلك ” بأن المشهد القادم في ليبيا لونه أسود قاتم متمثل في حرب شعواء” لا شيء فيها عدا رائحة الدم وصوت المدافع ومنظر الدمار”؛ تكون أسوء من التي عايشها سكان العاصمة على مدار أكثر من عشرة أشهر متواصلة؛ وبالتالي فقد أثر على نفسه الانسحاب والتعليل بالمرض حتى لا تكون ليبيا نقطة سوداء في تاريخه وهو المكلف بدعم الحلول ولربما خلقها في حالة كالحالة الليبية عبر الدبلوماسية والسياسة طبعا.

برحيل سلامة انقسم الشارع لقسمين أحدهما فرحٌ مبارك للأمر وأخر يرى بأنها عصى جديدة توضع بالدولاب ولو كان سمكها رقيقاً.

عند التمعن في رأي الطرفين تجد أن الطرف الثاني ” أي من يرى برحيل سلامة في هذا الوقت عصا جديدة توضع بالدولاب ” لديه من صحة القول كثيرا؛ فالمرحلة الحالية والمساع التي تحاول البعثة أن تعمل فيها “المسارات الثلاثة” سيشوبها بعض العرقلة برحيل سلامة كونه المخطط لها والعارف بتفاصيلها أكثر من غيره؛ أمر أخر يعزز وجهة النظر الصائبة في عيني وهو؛ كيف لخَلفٍ قادم من بعيد أن يسير بذات الوتيرة التي كان بها سلامة ” حتى وإن كانت بطيئة لأسباب واقعية ” فسلامة عاش في ليبيا وحفظ أطرافها الفاعلة عن ظهر قلب وعلم كيف يتعامل مع هذا وذاك ووسيلة اقناع كل منهم فضلا عن أهدافهم المعلنة والمبطنة؛ فكيف سيتمكن من سيأتي جديدا إلى ليبيا من المتابعة من حيث وقف سلامة فورا؛ إلا إن كانت نائبته ستيفاني هي الخلف للسلف.

يحاول من صم أذاننا بوجوب رحيل سلامة أنه برحيلة ستفك العقد وكأن سلامة هو من ربطها؛ وما هذا إلا خطأ كبير وشماعة يعلق عليها المآسي التي نعيشها دون البحث في أسبابها؛ سلامة لم يأمر حفتر بالانقضاض العسكري على مدنية الدولة وإفشال ملتقى غدامس؛ لم يحرض الليبيين على إقفال الحقول النفطية؛ ولم يكن سببا في الشقاق الدولي حول أزمتنا؛ وما برحيله ستحل هذه العقد.

أكبر إشكال واجه سلامه وسيواجه من يحمل عباءته بعد أن رماها؛ هو اختلاف المجتمع الدولي من حوله؛ المصالح هي من تحكم؛ فرنسا ترا أن مصلحتها في حكم حفتر بدليل دعمها المتواصل له من سنوات عدة؛ أيضا روسيا صارت بحرب طرابلس طرفا لم يبخل على حفتر بذراعه التي يمدها من وراء الأعين ” مجموعة الفاغنر “؛ بريطانيا التي تدعم الشرعية المتمثلة في الوفاق ولو كان الدعم سياسيا طفيفا؛ أخيرا تركيا التي دخلت على الخط وكان لها أن تعدل الكفة بشكل كبير معتمدتاً في ذلك على علاقاتها الطيبة مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

إذا وفي ظل هذا الانقسام الأممي؛ كيف لمبعوث أيّا كان اسمه أن يعمل على حل الأزمة التي أصبحت حربا بالوكالة لأسياده وذوي السلطة والضغوطات عليه؛ هذا أمر مستحيل طالما الشقاق الأممي مستمر؛ وهذه هي المشكلة الأساسية الآن وإن استطاع أحد حلها فتأكد أن مسلسل الأزمة في ليبيا قد وصل إلى حلقاته الأخيرة والتي ستحمل حلا سياسيا يشرك الجميع في بناء الدولة في أخر حلقة؛ لتكون النهاية السعيدة لقصة حزينة.

العيساوي استمرار إغلاق النفط أدى إلى خفض الميزانية بما يقارب الثلث

التعليم تعلق الدراسة أسبوعين للوقاية من فيروس كورونا