in

من برلين إلى جنيف مسارات تائهة إلى أين؟

انتهى مؤتمر برلين إلى كما كان متوقعاً، فلم يقدّم إضافات كبيرة في سبيل حل الأزمة الليبية التي تزداد تعقّداً مع كل تطوّرٍ فيها، وبرغم طول المدّة التحضيرية التي استغرقت خمسة أشهر وما شهدته من اجتماعات تحضيرية أربعةٍ، فإن نتائج المؤتمر تعتبر -بحسب ما وصفتها المستشارة الأمريكية ميركل- خطوة ضئيلة في حل الأزمة.

وإذا أردنا معرفة اتجاه هذه الخطوة الضئيلة فهي لم تتجه إلى الخروج بتوافق دولي حول حل الأزمة في ليبيا، إذ يبدو أن هذا الهدف الذي من أجله عُقد مؤتمر برلين لم يتحقق، ويظهر هذا جلياً في عدم جدية الأطراف الداعمة لحفتر في الضغط عليه بخصوص القبول بوقف إطلاق النار بشكل رسمي، بل إن غياب الضمانات الحقيقية لوقف الدعم العسكري والالتزام بحظر توريد الأسلحة والاكتفاء بحثّ الأطراف على الالتزام بقرار محلس الأمن يعكس مدى هشاشة وضعف التوافق الذي هدف إليه مؤتمر برلين.

هذا التوافق الهشّ اختبره حفتر قبل أن يغادر برلين بإقفاله للموانئ النفطية، والذي كشف عن استمرار الموقف الفرنسي على ما هو عليه حيث رفضت فرنسا إصدار الاتحاد الأوروبي بياناً يستنكر إغلاق الموانئ النفطية، مما يؤكد أن الجهود الألمانية لتوحيد سياسة الاتحاد الأوروبي لم تنجح في أهم تحدياتها وهو الملف الليبي، وهذا ما جعل الرئيس الروسي بوتين يؤكد على استمرار الجهود المشتركة بين موسكو وأنقرة فيما يخصّ الملف الليبي، في رسالة واضحة إلى فشل الأوروبين في تجاوز الروس والأتراك للاستحواذ على إدارة ملف الأزمة الليبية دولياً.

وفيما يخصّ مخرجات مؤتمر برلين فإن ما يثير الاستغراب هو ازدحام المسارات وتوازيها في حلّ الأزمة، حيث ستكون هناك مسارات للجانب السياسي وأخرى للأمني، إضافة للاقتصادي والمالي، مع ما يتعلق بعمل البعثة في جانب الدعم الإنساني والحقوقي، وتوازي هذه المسارات والعمل عليها في وقت واحد يبعث على التساؤل حول الغاية من هذا النهج، وهل هو لتفكيك الأزمة أم لإرباك مساعي حل الصراع؟

يبدو أن المبعوث الأممي والاتحاد الأوروبي من خلال فتح مسارات متعددة لا يحاولون تفكيك الأزمة بقدر ما يسعون إلى تفكيك موقف الصف الوطني الذي يقوده المجلس الرئاسي، فمعلوم أن تفكيك الأزمة ينبغي أن يكون بعلاج أسباب التأزيم وأولها العدوان العسكري بإسكات أصوات المدافع والرصاص، ثم بعد ذلك بناء تدابير الثقة ثم يأتي الحديث عن العملية العسكرية، أما فتح مسارات متعددة وجرّ الصف المناهض للمشروع الاستبدادي إلى حالة تفاوض مرتبكة فهو محاولة لتفكيك هذا الصف من خلال افتعال حالة من التنافسية فيما بين تياراته مما يؤدي بالمحصلة إلى التخلي عن الموقف الثابت من ضرورة صدّ العدوان والرجوع إلى ما قبل الرابع من أبريل، كما أن تجاهل مسار تفعيل مؤتمر برلين لإصلاح مجلس النواب والإسراع في استكمال عمل لجنتي الحوار بين مجلسي النواب والدولة التي بدأت في تونس بهذه الحالة يشير إلى حالة من العبثية يحاول من خلالها سلامة تلفيق الحلول في سلسلة خططه التي لم تتحقق، خاصةً وأن مخرجات برلين لم تذكر أي دورٍ للمجلس الأعلى للدولة الذي هو عصا الميزان التي قللت من تداعيات شطحات برلمان طبرق طيلة الفترة الماضية.

أيضاً فإن فتح مسارات تتعلق بالحالة الاقتصادية والمالية وإغفال المسار الدستوري الذي يمكن حلّ كثير من الإشكالات من خلاله هو نوع من العبث وإضاعة لجوهر الأزمة القائم على الصراع على السلطة بين طرف مؤمن بالدولة المدنية وآخر يسعى لفرض نفسه بجنازير الدبابات وراجمات الصواريخ. ولعلّ من الجيد النهج الذي يتبعه المجلس الرئاسي ومجلسا الدولة والنواب في طرابلس من إبقاء الأبواب مفتوحة على أي مبادرة مع التمسّك بثوابت المرحلة الحالية من خلال رفض البدء الحقيقي للعملية السياسية قبل وقف إطلاق النار بشكل رسمي والعودة إلى ما قبل الرابع من أبريل.

إن تعدّد المسارات وتوازيها انطلاقاً من جنيف لن يقود على الأغلب إلا لحالة تيه سياسي يهيمن عليها الجمود والانسداد ويتيح لأصحاب المشروع العسكري مزيداً من التمدّد والتشبث بخيارهم، وهو ما يستوجب على حكومة الوفاق التمسك بحقها في الدفاع عن النفس ويُلزمها بتوثيق التعاون مع حلفائها لصد هذا العدوان ودحر المشروع الاستبدادي.

بقلم الكاتب الليبي: علي أبوزيد

غوتيريش يستعرض جرائم حفتر .. لماذا؟

الإفراط في المضادات الحيوية يعجل الإصابة بالرعاش