in

المالتوسية وتفضيل الديكتاتورية

أفكار توماس مالتوس المحكّمة في العلاقات الدولية تبنى على افتراض أن: العدالة الكاملة تعني كارثة كاملة.

طورت أفكار مالتوس الكارثية نتيجة تطور التقنيات الصناعية وأشكال الاحتلال، فمن فكرة إبادة “البشر الأدنى” -التي ما زال الأمير فيليب زوج ملكة بريطانيا مؤمنا بها- إلى جعلهم زبائن موادهم الخام المصنعة في مصانع “البشر المتحضر”، بمعنى أنه استرقاق في حلة جديدة معاصرة، استرقاق عبر عنه بيل كلينتون في خطاب له في الأمم المتحدة بقوله: “إن هدفنا الأساسي يجب أن يكون توسيع وتقوية المجتمع العالمي لديمقراطية السوق”.

وعند كل مفترق طرق للحلول التي تشرف عليها الأمم المتحدة يثار تساؤل: ما حقيقة حياد المجتمع الدولي؟

يمكن تبين انعدام حياد المجتمع الدولي بطرح سؤال مرتبط بما حصل في موسكو: ماذا لو أن وفد الوفاق هو الذي رفض التوقيع وأن حفتر هو الذي وقع؟!

في جلسة بفندق من فنادق طرابلس رد أحد مبعوثي الأمم المتحدة السابقين على سؤال: هل تتعامل الأمم المتحدة بشكل محايد مع الأزمة الليبية؟ فرد قائلا: لا يوجد حياد في السياسة.

إن الدول والمنظمات الدولية التي رضيت بموقف المشاهد المستفيد مما يحصل من إجرام النظام الكيماوي في سوريا وحلفائه الروس، هي ذات الدول التي وقفت متفرجة على اعتداء الإرهابيين على طرابلس، بل ذات المنظمات الدولية أرادت أن تضيف ميزة أن يحضر أمينها العام بيان إعلان اغتصاب السلطة وفرض الأمر الواقع من قبل الإرهابي حفتر.

وقد صم الآذان صراخ هذه الدول المنزعجة من الاتفاق الليبي-التركي، وحثت الخطى لحل الأزمة سياسيا وضغطت على الأطراف كافة للقبول بذلك -أي بالظلم-بحجة الدفع نحو الاستقرار والسلام، بعد أن تعامت عن العمليات الإرهابية التي استمرت طيلة تسعة أشهر دفعها الشعب الليبي من رصيد نسيجه الاجتماعي ودماء شبابه.

لكن ماذا يعني الدفع نحو الاستقرار والسلام؟

إن كلمة الاستقرار كثيرة الذكر في بيانات الدول ليس استقرارا بمعنى محايد، أي أنه لا يعني بالضرورة إيقاف إطلاق النار وإبداء التنازل من الجميع وإنهاء المرحلة الانتقالية، بل له معنى آخر راجح، هو تمكين أحد طرفي الصراع ليستتب له الأمر، فبمجرد إعلان الدولة التركية عن نيتها إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا حتى استشرى النشاط في أطراف العجوز الأوروبية، إلا أن نشاطها لم يسعفها إلا بمسودة مبهمة الألفاظ مهملة الجهود الدولية الأخرى، كل ذلك في سبيل مصلحة “البشر المتحضر” على حساب المواطن الليبي.

ويمكن بيسير ملاحظة أن نفهم أن “الاستقرار” الذي يطلبونه لليبيا هو الاستقرار في يد ديكتاتور من النوع الذي يفضله ترامب، ديكتاتور يضمن مصالحهم دون أدنى شرط، فهم يقيمون ليبيا كمتأثر بمصر أي أقل شأنا منها، أي أن حفتر ديكتاتور نموذجي لليبيا في تقييمهم، ويتمثل استقرارهم المنحاز في تغييب دولتي قطر وتونس ذوات التدخل الإيجابي في الملف الليبي عن مؤتمر برلين، ودعوة مصر والإمارات صاحبتي السجلات السوداء في انتهاك حقوق الإنسان.

بل إن دولة مثل اليونان بكل وقاحة تعلن رفضها لأي حل في ليبيا ما لم يتضمن التنازل عن حق الشعب الليبي في المتوسط بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، أي أنه لا يعنيها استقرار أو سلام في سبيل الثروات البحرية؛ لأن هؤلاء القوم نمت أجسادهم وقيمهم على دماء الإنسانية، فقد رأى تشرشل -أيام الاحتلال البريطاني للهند- أن تجويع البنغاليين الجياع ليس بخطورة تجويع يونانيين أصحاء.

ويمكن أن أجمل القول في: أن دول المركز لا يهمها من صراعات الدول الهامشية إلا ضمان استمرار الظلم فيها، سواء أقام الظلم داعشي أم ليبرالي، أقامه مدني أم عسكري، المهم أن يكون ظالما يستمد شرعيته منهم، فلا يضره ما عمل بعد ذلك.

رويترز: عناصر حفتر هي من أمرت بإغلاق الموانئ النفطية

أردوغان للأوروبيين: ستواجهون تهديدات في حال أسقطتم الحكومة الشرعية بليبيا