in

زلزال الاتفاقية

لا شك أن عدوان حفتر على العاصمة طرابلس قد أماط اللثام عن الوجه الحقيقي للمجتمع الدولي، وكان عدوان حفتر على طرابلس بالنسبة للمجلس الرئاسي بداية المشوار في كشف صدق علاقاته ببعض الدول التي اتضح له فيما بعد أنها تبيع له الوهم من خلال غض الطرف عن حفتر أو حتى الدعم الخفي له.

فحفتر في عدوانه على العاصمة كان مدعوما من بعض الدول الأوروبية والعربية، وكشفت الأحداث فيما بعد أن الأمريكان قد منحوا الضوء الأخضر له في حالة السيطرة السريعة على العاصمة، جاء ذلك عن طريق مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جون بولتون الذي أُقيل فيما بعد، وفشل حفتر في السيطرة السريعة أو البطيئة على العاصمة.

زاد من سلبية المجتمع الدولي تجاه الرئاسي (وخاصة الأوروبيين) تعامل الرئاسي، حيث ارتمى كثير من أعضائه في أحضان إيطاليا دون أي اعتبارات، بل إن أحمد معيتيق وهو أحد أعضاء المجلس كان كثيرا ما يتشدق بعلاقته بإيطاليا ويعتبرها الشريك الفعلي للرئاسي، حتى القصف الجوي الذي استهدف مركزا للهجرة بتاجوراء وقع فيه عشرات القتلى والجرحى من المهاجرين غير الشرعيين، تواصلت الحكومة مع الطليان لمعرفة نوعية الطائرة ومساعدتهم في كشف تفاصيل هذا العمل الإرهابي، ولكن دون جدوى ولم يتحصلوا منهم على أي رد أو توضيح.

كما أن المجلس خاطب مجلس الأمن والأمم المتحدة دون فائدة، بل إن إجرام حفتر زادت حدته، ولم يتحصل الرئاسي من هذه الدول سوى بيانات الإدانة دون ذكر الفاعل أو بيان “الشعور بالقلق”.

وسط هذه الأحداث الجسام، ومع استمرار عدوان حفتر على العاصمة، وتضحيات قوات الجيش الليبي والصمود الأسطوري لها وسط تخاذل وصمت الكثير من الدول باستثناء تركيا وقطر اللتين كانتا دوما مع حكومة الوفاق رغم زهد رئيس المجلس الرئاسي في العلاقة بهما.

فلقد كان رئيس المجلس الرئاسي ومستشاروه يعملون وفق رؤية ترتكز على العلاقات مع محور الشر، مصر والإمارات والسعودية إضافة إلى فرنسا على حساب علاقته بتركيا وقطر، ظنا منه أنه بذلك يساير التيار الرافض للربيع العربي، وأن أي تقارب معها سيأثر سلبا على علاقات البلد مع بقية الدول، رغم أن حزب العدالة والبناء وهو أحد القوى السياسية الفاعلة حرص على توجيه النصح مرارا لرئيس لمجلس الرئاسي بضرورة الانفتاح على كل الدول الفاعلة القريبة من ليبيا، والتواصل الإيجابي مع الجميع دون إقصاء أو تهميش وتبادل المصالح والخبرات مع من يريد مصلحة ليبيا وشعبها.

تفطن رئيس المجلس الرئاسي متأخرا لحجم الإيهام والتلبيس الذي وقع عليه، وبشاعة أفعال المجرم حفتر التي تزداد وحشيتها حتى تولدت قناعة عند السيد فائز السراج بضرورة البحث عن حليف دولي قوي يساعده في الخروج من هذه الأزمة والتصدي لهذا الانقلاب.

وبعد مشاورات عديدة توجه بعدها مباشرة إلى دولة تركيا بطلب تفعيل بعض الاتفاقيات التي كانت مقترحة في السنوات الماضية ولم تُفعل بين البلدين، حيث حظي بتجاوب كبير من الرئاسة التركية، وبعد مداولات ومشاورات بين الطرفين، وُقعت مذكرتا تفاهم أمنية وبحرية في الـ 29 من نوفمبر الماضي؛ ليصبح هذا التاريخ رمزا للترابط والتواصل بين الشعبين الشقيقين.

في هذا التاريخ، طويت صفحة الدبلوماسية الناعمة التي كان ينتهجها رئيس السراج؛ فتركيا حليف قوي وقوة صاعدة في المنطقة برمتها، وتبادل المصالح معها سيكون له الأثر الإيجابي على البلدين.

لكن هذا التاريخ من الجانب الآخر كان إذنا بحدوث زلزال في كامل المنطقة وقلب الطاولة على بعض الدول التي كانت تريد الاستفراد بحكومة الوفاق الوطني ولا تريد لها الانتصار في معركتها ضد التمرد، وجعل موازين القوة تختل لصالح المجلس الرئاسي الذي فقد الأمل من الجميع إلا من الله، ثم صمود الأبطال على أسوار طرابلس.

بعد هذا التوقيع، كانت مواقف غالب الدول تتراوح بين “الإدانات” و”الشعور بالقلق”، فأصبحوا بقدرة قادر مهتمين بالقضية الليبية وبالشعب الليبي:

ـ وزير الخارجية الألماني في زيارته إلى ليبيا بعد بدء العدوان، رفض النزول في العاصمة ونزل بطائرته في زوارة، وذهب له رئيس المجلس الرئاسي إلى هناك، وبعد توقيع مذكرتي التفاهم يتصل هذا الوزير ومعه 3 وزراء خارجية لدول أوروبية ويطلب لقاء مع الرئيس في طرابلس، لكن رد الخارجية الليبية كان في المستوى رافضة هذه الزيارة بعلّة “الظروف الأمنية”، ولكنه يصر على زيارة طرابلس ولا تهمه الظروف الأمنية فهم يستطيعون تأمين نفسهم.

-الرئيس المصري خلال 24 ساعة يجري اتصالات هاتفية بعدد 3 رؤساء (الرئيس الروسي والرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي)، واتصال رابع برئيس الوزراء الإيطالي.

-عقيلة صالح خلال يومين يعبر الحدود ليزور السعودية، ثم يتوجه منها إلى مصر ثم إلى اليونان.

-الجامعة العربية تدعو لجلسة طارئة لمناقشة الأزمة في ليبيا والمستجدات التي حصلت.

-تخبط الموقف الإيطالي وزيارات لرئيس وزرائهم وتنقله بين العواصم لمناقشة المستجدات على الساحة الليبية.

-دعوة إيطاليا للسراج بعد أن رفض زيارتها لأنهم قاموا باستقبال حفتر قبله واستجداء الحكومة الايطالية وإرسال وسطاء من أجل الترتيب لاستقبال رئيس المجلس الرئاسي بشكل رسمي.

-دخول الأمريكان من جديد وتصريحات الرئيس الأمريكي بخصوص تواصله مع بعض الرؤساء من أجل إنهاء الأزمة في ليبيا.

-ارتفاع وتيرة الحديث عن ضرورة انعقاد مؤتمر برلين بأسرع وقت، والعمل على إيقاف الاقتتال بين الليبيين.

-دعوة الجزائر للمشاركة في مؤتمر برلين بعد أن كانت مستبعدة.

كل هذا وأكثر هو نتائج توقيع مذكرتي التفاهم مع تركيا؛ فلقد فضحت الوجه القبيح للقوى الغربية وتشدقهم بالقيم والمبادئ الإنسانية بعد أن كانوا غارقين في صمتهم من جرائم حفتر، ولم تحركهم دماء الليبيين، كما أن هذه الخطوة قلبت الموازين على محور الشر العربي الذي كان يستعد لينقض عن طريق حفتر على حلم الليبيين وأملهم في بناء دولة مدنية بعيدة عن الاستبداد وحكم الفرد.

حريّ بنا أن نعترف بأن هذه التغيرات ما كانت لتتم لولا توفيق الله للأبطال الذين قارعوا هذه الزمرة الظالمة، وكذلك جهود القوى الوطنية، في إدارة العلاقات والاستفادة من مذكرتي التفاهم في توطيد العلاقات الدولية، وبالأخص تسخير العلاقة الإيجابية التي تربط بين روسيا وتركيا في خدمة مصالح الشعب الليبي وقطع الطريق على الانقلابي حفتر، وما نتج عن الرئيسين الروسي والتركي من إعلان وقف لإطلاق النار والرجوع إلى طاولة الحوار وإحياء العملية السياسية حسب الاتفاق السياسي والقرار رقم 2259.

إعادة التأهيل الاقتصادي

مراقبون: حفتر يماطل في توقيع الاتفاقية خوفا من خسارة أنصاره