in ,

الخيبة العبانية في الفوز بـ”ما أذكر” المدخليّة

في استفزاز لمشاعر الليبيين رئيس الهيئة العامة للأوقاف محمد العباني يُعلن عن لقائه بـ “ربيع المدخلي”، أحد أكبر مراجع تيارات تطرّف الخطاب الديني التي وفدت إلى بلادنا مدعومةً ومدفوعةً بالبترودلار السعودي، وبإشراف ورعاية مخابرات آل سعود.

هذا اللقاء الذي روّج له “العباني” قبل أن يُعلنَ عن فحواه بأيام، كان عنوانه العريض كما جاء فيه: (ما أذكر)، وهي إجابة ربيع المدخلي عن سؤال العباني: هل أفتى بالقتال مع حفتر وجواز المشاركة في الهجوم على العاصمة طرابلس وغزوها وترويع الآمنين فيها؟

وبرغم أن الإجابة ليست نفياً من “المدخلي” بأنه أفتى بذلك، بل تحتمل أنّه فعل ذلك، فإنّ “العباني” طار بها فرَحاً وامتلأ بها بهجةً وسروراً، فلا ندري أهذا الأمر سذاجةٌ منه أم تعصّبٌ للـ”مدخليّ” يجعله يفرح بمثل هذه الإجابة التي تحتمل إيغالَه في دماء الليبيين بفتاويه، أم هو خليطٌ من الأمرين: (تعصّبٌ وسذاجة)؟!

على كلِّ حالٍ فإنّ “العباني” كشف عن توجهه ومرجعيته التي ينطلق فيها من إدارة الهيئة العامّة للأوقاف، وهي المرجعية (الوهّابية) التي تنتهج نهج ربيع المدخلي، أحد أبرز شيوخ آل سعود الذين تمّ تصدير خطابهم للخارج من أجل إيجاد حاضنةٍ لآل سعود تدافع عن سياساتهم وتدين لهم بالولاء، ولا يخفى على أحدٍ أن التيار المدخليّ لا يُعنىٰ في خطابه إلا بفكرة (طاعة وليّ الأمر) وجعلها أصلاً من أصول الدين، ولقد وجدت الأنظمة الاستبدادية في هذا الخطاب ضالّتها فصدّرتْهُ ودعمتْهُ في مواجهة تحرّك الشعوب العربية المسلمة وسعيها نحو حريتها وتخلّصها من الظلم وتجبّر الطغاة.

وواضحٌ أن “العباني” في حديثه عن ترتيبات موسم الحج يتحدّث وكأن آل سعودٍ يمنّون علينا بحضور الحج، فيكيل لهم عبارات الثناء والمدح، وهم أحد أبرز من دعم حفتر وموّله، وهم الساعون مع مصر والإمارات إلى انتزاع شرعية المجلس الرئاسي الذي هو أحد مسؤولي حكومته.

والعجيب أنّ “العباني” يتجاهل علماء البلاد الذين يمثّلون مدرستها الشرعية العتيقة التي توارثوا العِلمَ فيها كابراً عن كابر، وهم أعلم بحالها وواقع الأمر فيها، ويرتمي في أحضان الفكر الوهابي المتطرّف، الذي ما ظهر التطرّف والإرهاب في جماعة إلا ووجدتها قد أُصيبت بلوثةٍ من هذا الفكر، ويسعدُ “العباني” بتوجيه “المدخليّ” له أن يسأل هيئة كبار علماء آل سعود، وكأنهم حجّة الله على خلقه، ولا يوجد مسلمٌ عاقلٌ حريصٌ على دينه يرضى لنفسه أن يستأمن هذه الهيئة على الفتوى بعد سكوتها على الإعلان بالفواحش في بلاد الحرمين وقرب الكعبة المشرّفة وبجوار مقام سيد الخلق صلى الله عليه وسلّم واستضافتها للشواذّ والعاهرات في أكنافهما، ورضيت لنفسها أن تخون أمانة الصدع بالحق هي تشاهد هيئة ترفيههم تُعمِل معاول الهدم في كيان المجتمع ساعية في انتهاك عفّته وإفسادِ أخلاقه، بل كيف تؤتمن هذه الهيئة وهي تبرّر ما يفعله نظام آل سعود بأهل اليمن من تقتيل وتجويع وقهر وظلم وعدوان، وتسمع دعوات التطبيع مع اليهود فتضرب صفحاً وتتجاهل قول أحد أبواق نظامهم (لك العُتبى يا نتنياهو حتى ترضى).

إن “العباني” بتبنّيه للفكر الوهابي والنهج المدخليّ حاملٌ لجرثومة التطرّف ولا يمكنُ أن يستأمنَ على الأوقاف والشؤون الإسلامية التي ينبغي أن ترعى خطاب الوسطية والاعتدال، وتبنيَ جيلاً من العلماء والدعاة المصلحين، تتمّ تنشأتهم على منهج المدرسة الدينية العتيقة التي كانت مساجدها وزواياها مراكز لجهاد أهل ليبيا ومناراتٍ للعلم والإصلاح، وملجأً لكل مستضعفٍ ومظلوم؛ ليكونوا صادعين بالحق أمناء على واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما لا يمكن أن يدركَه “العباني” بفكره الضحْل ومعرفتِه القاصرة التي لم تتجاوز به حدود (ربيع المدخلي) الذي يرى في لقائه إنجازاً وفي الفوز بـ (ما أذكر) منه فلاحاً.

وإني أدعو أهل العلم والمشايخ وطلاب العلم أن يسعوا في تخليص مؤسستهم الدينية من كلّ حاملٍ لهذا الفكر الوافد الذي ما وُجد إلا ليخدم الدولة التي أوفدته، فهي أمانتهم في أعناقهم يحاسبون عليها، وعلى المجلس الرئاسيّ ورئيسه أن يعيد النظر في تولية هذا المنصب لمثل “العباني” وتياره وأن يجنّب المؤسسة الدينية حاملي هذا الفكر الذين ما فتئوا يوالون الطغاة وكل متجبّرٍ على شعبه ساعٍ في بلده بالفساد.

أردوغان: لا بد من مشاركة تونس والجزائر وقطر في مؤتمر برلين

الشيخ الصادق الغرياني: كيف لرئيس هيئة الأوقاف أن يسأل من حثَّ “السلفيين” على القتال مع حفتر؟!