in

بوابة العبور من الميليشيا إلى الجيش

يدفع أنصار عملية الكرامة بحجة المليشيات تبريرا لحرب حفتر على طرابلس، فكل هذا القتل والتدمير والنزوح وفتح الباب للمزيد من التدخل الخارجي، هو لإنهاء سيطرة المليشيات على العاصمة، أما حجة الإرهاب و العناصر الإرهابية فقد تراجعت قليلا في سردية مبررات الحرب لما اتضح أنها باتت مستهلكة، فليس من المعقول أن تقتل الآلاف، وتهجر عشرات الآلاف؛ من أجل القضاء على بضع عشرات أو مئات مشكوك في صحة وجودهم، ثمة عدة وسائل أقل تكلفة من الحرب لملاحقتهم، وجلبهم للعدالة.

وجود المجموعات المسلحة والميليشيات غير الخاضعة بشكل حقيقي لمؤسسات حكومة الوفاق حقيقة لا يمكن إنكارها، وكان وزير داخلية حكومة الوفاق جريئا في مواجهتها والشروع في التصدي لها، ودفعها إلى تسليم المقرات والعقارات التي كانت تشغلها بالعاصمة.

سردية المليشيات لم تنقطع في خطاب المؤيدين لخيار الحرب طوال الشهور الماضية، غير أنهم لم يدركوا ازدواجية خطابهم تجاه الميليشيات، فمناهضتهم للميليشيات لم تشمل تلك التي تقاتل مع حفتر، فالمجموعات المسلحة التي تستحق أن توصم بالميليشيات هي فقط تلك التي تدافع عن طرابلس وتتصدى لقوات حفتر.

ليس الموقف إذا هو رفض لكل الميليشيات أو أي تشكيلات مسلحة قبلية كانت أو أيديولوجية أو مناطقية وتوجه حقيقي لدعم بناء جيش حقيقي ولاؤه لله والوطن، وإنما هو موقف سياسي يدعم طرفا يرفع لافتة الجيش الوطني رغم انكشاف استعانته بمجموعات مسلحة لم يتوقف إعلامه ومؤيدوه عن وصفها بالميليشيات قبل حرب طرابلس!

لا يختلف هؤلاء عن تلاميذ صفوف الابتدائي، يرددون في المنابر و يكتبون بكراساتهم ما يملى عليهم بكل رضا وعن طيب خاطر، إذ يقصر وعيهم عن إدراك خطأ المعلم إذا ارتكب خطأ، لذلك تصيبهم صدمة حين يأتيهم الدليل على وجود مجموعات مسلحة مع قوات حفتر كانوا بالأمس القريب يسمونها في خطابهم ميليشيات، ولأن استيعابهم للصدمة لا يتم بشكل طبيعي؛ بسبب انخفاض مستوى تركيزهم ينقسم رد فعلهم إلى الإنكار أو الثورة والصراخ والهلع.

وجود الميليشيات أو المجموعات المسلحة المختلفة الأهواء والتوجهات والمتقلبة في تبعتيها وولائها مسألة لا خلاف حولها، وهي إحدى المعضلات الكبرى في ليبيا بعد ثورة فبراير، ولم تكن هناك جهود حقيقية لمعالجتها من قبل مؤسسات الدولة أو لم تكن من ضمن الأولويات إزاء تحديات عديدة واجهت هذه المؤسسات، كما ساهمت بعض الأخطاء في نموها وانتشارها وتغولها، وهي موجودة في كل أنحاء البلاد، ولا يمكن قطعا التسليم بأن الحرب عليها هو السبيل الوحيد لاستئصالها، ثمة وسائل أخرى كفيلة بمعالجتها من دون دفع فاتورة باهضة الثمن بتجميع بعضها تحت لافتة الجيش وتسليطها على الأخرى. إذ يستحيل إطفاء النار بالنار.

الحرب على الميليشيات مجرد ذريعة بائسة يروجها طرف نسبة العسكريين في صفوفه لا تتعدى 25% بشهادة أحد الضباط الذي وصف هذه القوات ببقايا فتات الجيش، أما البقية فهي ميليشيات تكونت في مجري الصراعات المختلفة ولا تحمل عقيدة الجيش، وبسبب الحاجة إلى المقاتلين أصبح إعلان التبعية لحفتر هو بوابة العبور من حالة المليشيات إلى رحاب الجيش، وهكذا تحولت الكانيات إلى اللواء السابع ومنح آمرها رتبة نقيب! أما الكتائب السلفية فيبدو أنها فضلت الاحتفاظ بأسمائها ذات الطابع المستمد من التراث الإسلامي.

من يسعى حقا إلى تجريد الميليشيات من سلاحها وتفكيكها عليه أولا أن لا يستغل هذا المشروع الوطني لخدمة أهداف سياسية، وأن تتوافق كل القوى السياسية والمدنية والقبلية على تعريف ومعايير واضحة للمليشات، ثم البحث في السبل المناسبة لعلاجها والاستفادة من أي خبرات سابقة لدول مرت بتجربة مشابهة ونجحت في معالجتها، وقبل هذا كله الاعتراف بأن أي تشكيل مسلح في صفوفه مدنيون يحملون السلاح هو ميليشيا، فالجيش يحتاج إلى بناء سليم من الضباط وضباط الصف والجنود بعيدا عن المشاريع السياسية السلطوية، ومما لا شك فيه أن لدينا ضباطا على قدر رفيع من المهنية والعلمية والانضباط بوسعهم جمع شتات الجيش، وإعادة تأسيسه وفقا لما يعتمده الليبيون في دستورهم المقبل.

الرئاسي يحمل البعثة الأممية مسؤولية قصف السواني وأم الأرانب

تركيا تستثني الليبيين من قرار إلغاء منح الإقامة قصيرة الأمد