in

تداعيات التدخل الروسي على الصراع الليبي

يبدو أن الانخراط الروسي الكبير الداعم لحفتر هذه المرّة نال اهتماماً واسعاً، خاصةً وأنه يأتي في ظروف معقدة وصعبة سواءٌ داخل ليبيا أوخارجها، وهو ما يجعل هذا الأمر يشغل أروقة السياسة ومنصات الإعلام الأوروبية والأمريكية.

الدعم الروسي لحفتر ليس جديداً، وسبق لموسكو أن استقبلت حفتر واعتبرته قائد الجيش الليبي، وعقد ضباطها اجتماعاتٍ معه على إحدى البوارج الروسية في مياه البحر الأبيض المتوسط، لكن الجديد هذه المرة هو توقيت ونوع هذا الدعم، حيث يتم إمداد حفتر بمرتزقة روس تحت مظلة شركة “فاغنر”، بمعدات وتدريب عالٍ جداً، كما يتم تقديم تدريب لعناصر حفتر ودعم لوجستي بالتنسيق مع مصر والإمارات بحسب ما كشفت عنه التقارير والتحقيقات الأخيرة، أيضاً فالتوقيت الذي ارتفعت فيه وتيرة الدعم الروسي لحفتر عالي الحساسية على الصعيد المحلي، وعلى الصعيد الدولي، فإصرار حفتر على التصعيد العسكري واختياره كحل لإنهاء الأزمة مع عدم مقدرته على ذلك؛ يجعل استمرار دعمه مجرد إطالة لأزمة ومعاناة الليبيين، ويجعل كل جهود إحياء العملية السياسية عبارة عن عملية كسب وقت لحفتر، أما على الصعيد الدولي فتدخل روسيا المباشر في ليبيا بدعم حفتر هو عملية استفزازية للاتحاد الأوروبي وأمريكا، وذلك للمساومة بالملف الليبي بملفات أخرى عالقة بين هذه الأطراف.

الولايات المتحدة حافظت على سياسة النأي بالنفس غالباً في الأزمة الليبية، وحصرت تعاونها في المجال الأمني وما يتعلق بمحاربة الإرهاب من خلال قوة الأفريكوم، وأفسحت المجال أمام الحلفاء الأوروبيين الذين تصاعد الخلاف بينهم وانعكس أثره بازدياد حالة الصراع بين الأطراف الليبية، ويبدو أن الولايات المتحدة مجبرة على تغيير هذه السياسة تجاه ليبيا، وأنها ستنخرط في الأزمة بشكل أكثر فاعلية، فالحليف الأوروبي غير قادر على دفع العملية السياسية إلى الأمام، وهي لا تريد أن تخسر منطقة نفوذ هامة، وقد وُجِّهت إلى إدارة ترامب انتقادات كالتي تلقاها بعد إعلان انسحابه من شمال سوريا، حيث اعتبرته الأوساط الأمريكية انتصاراً للروس وفشلاً للسياسة الأمريكية، ومشروع قانون تحقيق الاستقرار المقدم للكونغرس الأمريكي والذي يتضمن فرض عقوبات على الأطراف المستعينة بالمرتزقة الروس مؤشر واضح على هذا التوجه.

ونجاح محاولات ألمانيا الحثيثة لإحداث توافق دولي بشأن ليبيا قبل عقد مؤتمر برلين يبقى مرهوناً بجدية الأطراف في إنجاح العملية السياسية، وهذا إلى الآن مؤشراته ضعيفة بغضّ النظر عن التصريحات الداعية لاستئناف العملية السياسية والوقف الفوري لإطلاق النار، فالممارسات لأغلب الدول لم تتغير والفرصة الأكبر لإنجاح هذا المؤتمر في توحد الموقف الأمريكي والأوروبي لإنهاء الأزمة.

واستعانة حفتر بالروس هي الخيار المتاح لديه بعد عجزه عن التقدم في حربه على طرابلس وانعدام أدواته السياسية وعزلته الدولية، ويمكن القول أن تحرك المجلس الرئاسي نحو الولايات المتحدة وأوروبا ينبغي أن يكون مكثفاً وحاملاً لمؤشرات الثقة والطمأنينة، وتعتبر زيارة وزير الداخلية بداية جيدة يمكن البناء عليها، وأما الاكتفاء بالانتظار فهو تعبير عن العجز وعدم القدرة على إدارة المرحلة.

محاولات حثيثة من داعمي حفتر لتحقيق وقف غير مشروط لإطلاق النار…والرئاسي يرفض

كيف تحمي نفسك من أمراض الشتاء