in

رؤية السراج التي قادتنا إلى الكارثة

لا جدال في أن المرحلة التي أمسك فيها المجلس الرئاسي بزمام الأمور في ليبيا لم تكن مرحلة مستقرة، بل على العكس تماما، حيث كانت البلاد وقتها في ذروة الانقسام وقمة الفوضى التي بدأت تأكل مؤسسات الدولة كما تأكل النار الهشيم، وكان مأمولا أن يكون الاتفاق السياسي الذي أتى بالسراج كالماء الذي يخمد هذه النار، أو على الأقل يسهم في إخمادها.

وحتى لا نغطي عين الشمس بالغربال؛ فقد أخفق المجلس الرئاسي إخفاقا كبيرا مكّن لمعارضي الاتفاق من الحديث بنبرة قوية حول صحة رؤيتهم الرافضة للاتفاق من الأساس، الرئاسي أخفق في كافة المستويات، السياسية والأمنية والخدمية والاقتصادية والاجتماعية.

لست بصدد التفصيل حول كل هذه الإخفاقات وأسبابها، فالمقام لا يتسع، والحديث بحاجة إلى بحث شامل عن حيثيات الموضوع حتى لا نقع في شَرَك التهويل والمبالغة.

لكن ما يهم في هذا الوقت هو الإخفاق السياسي؛ لأنه في رأيي هو السبب الرئيس الذي جرّ وراءه بقية الإخفاقات، ولو أدار السراج هذا الملف جيدا، لكان مفتاحا لحل باقي الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية، فالأزمة في ليبيا سياسية صرفة، ولا يماري في هذه الحقيقة إلا جاهل بجذور الأزمة أو صاحب هوى يستخدم شماعات أخرى للوصول إلى مآرب ومصالح هي أبعد ما تكون عن مصلحة الوطن.

تبنّى رئيس المجلس الرئاسي رؤية تتلخص في أن الاتفاق السياسي جاء نتيجة وفاق بين القوى السياسية، وأنه جاء نتيجة هذا الاتفاق، وبالتالي ليس أمامه إلا أن يكون الرجل التوافقي الذي يستوعب جميع القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية بعيدًا عن أي صراعات سياسية، وهي رؤية منطقية نظريا، وهي نموذج لما جاء به الاتفاق السياسي لطيّ صفحة المشاكل بين الليبين وإنهاء الانقسام السياسي تمهيدًا لمرحلة الاستقرار وإنهاءً لمرحلة الصراع.

لكن التحديات ظهرت أمام السراج على المستوى التطبيقي، فوقع في فخاخ عديدة أبرزها:

  • ازدواجية المعايير في تطبيق رؤية التوافق عند السراج، فتعامل بلين مع طرف “حفتر ومن معه”، وبقوة وصلابة مع طرف آخر “المفتي ومن معه”، رغم أن الطرفين من الرافضين للاتفاق السياسي.
  • اعتقاد السراج أن حفتر يمكن أن يكون ضمن معادلة الدولة المدنية، أي يعمل تحت السلطة المدنية، معتقدًا أن خلاف حفتر مع التيارات الإسلامية والثورية وليس الدولة المدنية.
  • استمراره في تبني هذه الرؤية رغم وضوح فشلها، بل إنه كلما ظهر دليل جديد على فشلها، زاد ذلك من إصراره عليها.

وبالتالي كان على الرئاسي أن يمارس مهامه المنصوص عليها في الاتفاق السياسي ويفرض سيادة الدولة وذلك بالشروع في بناء الأجهزة الأمنية والشرطية والعسكرية مع استلامه لمهامه كقائد أعلى للجيش الليبي، واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة ضد كل مخالف، ولو فعل ذلك لالتفّ حوله الجميع وخاف منه الخصوم، وما كان لأحد أن يجرؤ على سلطان الدولة مهما كانت قوته، فموارد الدولة تحت سلطته والقرارات بيده والعالم يعترف به والليبييون يبحثون عمّن يقودهم.

لكن تمسكه برؤيته وتردده في عدم مواجهة الخارجين عن سلطة الدولة وعدم مواجهة المتمردين في كل مكان وأكبرهم حفتر، هو ما أوصلنا إلى هذا الحال الذي أوصل حفتر إلى تخوم العاصمة طرابلس.

استيقاظ السراج المتأخر وإعلانه النفير وإصداره بعض القرارات الجريئة دفعت بعضا من الكارثة المتوقعة، ومطلوب منه الآن العمل بجدية أكثر على المستوى الداخلي والخارجي في مشروع استرداد الدولة الليبية من محور الشر وأذياله الذين يسعون لضم ليبيا إلى حظيرة الاستبداد والتبعية، يأتي ذلك بمزيد من الدعم للمؤسسة العسكرية التي تواجه العدوان، من خلال التسليح والتدريب والتمويل، ونسيان أمر توحيدها مع الميليشيات المعتدية التي تسمي نفسها جيشا، وإلا فإنه يسير بالبلاد إلى مصير مجهول سيكون “السراج” هو ضحيته الأولى.

بعد 200 يوم من عدوان حفتر على طرابلس…منظمات دولية تدين جرائمه بحق المدنيين

بعد 200 يوم على الحرب حفتر الذي استعان بـ 5 دول ومرتزقة للوصول للسلطة يستمر في اتهام الوفاق بخيانة الوطن والتفريط بسيادته