in

رهان روسيا على جندي العقيد أم على ابنه؟

يطفو الحديث عن الدور الروسي في ليبيا مجددا بعد الكشف مؤخرا عن ظهور مجنّدين روس تابعين لشركة “فاغنر” الأمنية الروسية يقاتلون إلى جانب العسكري المتقاعد خليفة حفتر؛ لمساندته في السيطرة على ليبيا.

وبسرد مختصر للموقف الروسي تجاه ليبيا بعد ثورة فبراير2011 نجد أن روسيا كدولة دائما ما كانت لها مواقفها الخاصة وحساباتها الخفية، حيث كان موقفها صريح في دعم حكم القذافي ورافض للموقف الأمريكي والأوروبي الذي أسهم في الإطاحة به، وهذا الدعم ليس مستغربا؛ لأن لها مصالح كبيرة كانت مع القذافي وأدوات حكمه.

فلقد كان القذافي بالنسبة لروسيا صاحب أكبر مستودع ومخزن للأسلحة الروسية التي تريد أن تتخلص منها روسيا لعدم فاعليتها، بسبب تكدسها وصعوبة إيصالها للمستفيدين منها، تقاطع ذلك مع رغبات القذافي، فبعثوا له الأطنان من الأسلحة والعتاد، وهو بدوره يتصرف فى الجزء الأكبر منها في دعم حركات التمرد في إفريقيا أو يهبها لبعض أصدقائه، كل ذلك لأجل الترويج لنفسه بأنه “داعم لحركات التحرر”، وهذا ما جعل منه مصدر قلق فى القارة الإفريقية خاصة عند بعض الدول الأوروبية التي تربطها مصالح في القارة السمراء.

كل هذا النفوذ الروسي وهذه العلاقات تلاشت بشكل شبه كامل بعد سقوط حكم القذافي، لكن روسيا ظهرت من جديد كمهتمة بالملف الليبي من خلال استقبالها للعسكري المتقاعد حفتر وصاحب عملية الكرامة فى أكثر من مرة وعقد اجتماعات معه على مستوى قياداتهم العسكرية، وعلى المستوى المدني وافقت روسيا على طباعة عملة نقدية كان لها الأثر السلبي على الاقتصاد الليبي، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل استُقبل على متن بارجة عسكرية قبالة السواحل الليبية كإشارة منهم بعدم التفريط فى نفوذهم على الساحة الليبية، وأن ليبيا لن تكون نفوذا للغرب فقط “أوروبا والولايات المتحدة”.

فى شهر مايو الماضي، أي بعد هجوم حفتر على العاصمة بحوالي شهر ونصف، ألقت الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوفاق على خلية تجسس روسية، كشفت التحقيقات أن أفراد هذه الخلية كانوا قد تواصلوا مع ابن القذافي سيف الإسلام فى مكان قريب من الزنتان، وأنهم سيدعمونه فى حالة إجراء انتخابات، وأنه -أي سيف الإسلام- سيكون حليف الروس الجديد خلفا لوالده.

وقبل أيام كشفت بعض وسائل الإعلام الدولية أن هناك مرتزقة روسا يقاتلون مع عصابات حفتر جنوب طرابلس، عزّز ذلك حصول قوات الوفاق على بعض المقتنيات والخرائط العسكرية لهؤلاء المرتزقة، وبعد التعرف عليهم، تبين أن هؤلاء هم أفراد ترجع تبعيتهم إلى شركة “فاغنر” الأمنية التي ذكرناها في مستهل المقال، وهي شركة مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يستخدمها فى بعض الدول لإثارة المشاكل ودعم بعض الحلفاء بعيدا عن الجيش الروسي الرسمي.

للقارئ في هذه الحالة أن يسأل سؤالا منطقيا: كيف لروسيا دعم فى نفس الوقت الذي تسعى فيه لوصول سيف القذافي إلى الحكم؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، يجب التنبيه إلى التعامل الروسي لا يستند إلى معايير أو مبادئ ثابتة باستثناء المصالح -كما هو شأن أغلب الدول-، فقد دعموا بشار الأسد وتذرعوا بأنه الرئيس الشرعي ودعموا حفتر الذي لا يملك أي شرعية بل يحاول الانقلاب عليها بكل ما أوتي من قوة.

لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن روسيا تدرك خطورة دعم الحركات والأشخاص الذي لا يملكون أي شرعية، وهو ما يفسر عدم دعمهم له بطرق رسمية، وإنما بوسائل ملتوية، كما أنه لا يخفى على الروس أن حفتر مرتبط مع دول غربية أخرى -كفرنسا مثلا- أكثر من ارتباطه بهم، ولهذا فإنني أميل إلى أن الرهان الروسي ليس على حفتر، وإنما على سيف القذافي، وكل هذا الدعم لحفتر فى دخول العاصمة، لأنهم يتوقعون أنه لن يستطيع فرض كلمته؛ لأن أكبر داعميه هم منظومة النظام السابق التي ترتبط مصالحها مع سيف القذافي وليس مع حفتر، وكلاهما يعلم جيدا أنهم يستخدمون بعضهم البعض وكل منهما ليس له ثقة بالآخر.

سؤال آخر يطفو على السطح، لماذا كل هذا الرهان الروسي على سيف القذافي رغم معرفتهم بأن الرجل مطلوب للعدالة الليبية، وأيضا مطلوب لمحكمة الجنائية الدولية الموقعة عليها روسيا؟ الجواب هو أنها تستند على قانون العفو العام الذي صدر من البرلمان رغم أنه لا يشمل سيف القذافي، وخارجيا تعتمد علي سياسة الأمر الواقع؛ فكم من رئيس مطلوب دوليا، لكنه بحكم الأمر الواقع يسرح ويمرح متى شاء وكيفما شاء.

على أية حال، ما يهم روسيا هو عودة نفوذها وعلاقتها داخل حوض البحر الأبيض المتوسط وممارسة سياسة منازعة النفوذ الأوروبي فى بعض الدول، وليبيا ستوفر لها هذه المكانة لما تتمتع به من ثروات يمكن أن تخفف على روسيا بعض آثار العقوبات الأمريكية .

هذا النفوذ الروسي سيصطدم بطبيعة الحال مع النفوذ الأمريكي المنشغل بقضايا أخرى أهم بالنسبة لهم من قضية ليبيا، وهو ما جعلنا نشاهد هذه الممارسات سواء من روسيا وبعض الدول الأخرى، لكن المؤشرات الأخيرة تؤكد بأن هناك تحركات ستحد من حركة الروس داخل ليبيا خاصة بعد التصعيد الأخير وتحديدا دخول المرتزقة الروس لدعم حفتر.

وما تناقلته بعض وسائل الإعلام مؤخرا عن استهداف رتل عسكري من قبل طيران مجهول جنوب سرت يضم مجموعة منهم، وأيضا ماحملته تلميحات تصريح وزير الخارجية الامريكي بضرورة وقف التدخل الخارجي فى الأزمة الليبية هو دلالة غير معلنة عن عدم رضى الأمريكان عمّا يحدث، خاصة أن التصريح جاء بعد كشف صحيفة “ميدوزا” الروسية عن مقتل 35 مرتزقا روسيا في ليبيا خلال الفترة من منتصف سبتمبر إلى بداية أكتوبر.

أخيرا، وأمام كل هذا التعقيد، يجب على حكومة الوفاق أن تستفيد من معادلات القوة على الساحة الدولية، وأن تعرف كيفية تمرير مصالحها من جهة، ومن جهة أخرى كيف تعرض إمكانياتها وما تمتلكه من مقدرات من الممكن أن تقلب الطاولة وتجعل لعاب بعض الأطراف الدولية يسيل لها، والا فإن لعبة المصالح والمطالب ستتجاوزها وتكون هى ضحية عجزها .

الولايات المتحدة في عداد المفقودين في ليبيا

دي مايو: يدعو لتحرك دبلوماسي كبير لتحقيق الاستقرار في ليبيا