in

في مقابلة حفتر.. العسكرة أساس الدولة وأشياء أخرى

الحوار الذي أجراه عيسى عبد القيوم مع قائد ميليشيات الكرامة خليفة حفتر، لقاء شيّق لم يخلُ من حميمية جارفة لم يستطع الكاتب أن يخفيها وهو يسرد علينا مجريات لقائه الذي تناول فيه الأحداث الجارية في الساحة الليبية، كيف لا؟! وقد منّ على الجماهير المتعطشة لأخباره بدقائق من وقته الثمين! وبالرغم من أن حدوث الحوار بينهما كما ورد محل شك، فإن نشره على منصات الكرامة يدلل على أنه يعكس رأي حفتر ورؤيته للأحداث وما سيعقبها، وهذا ما يدفعنا إلى الوقوف عند هذه المقابلة والتهميش على نصّ حوارها، خاصة وأنها تأتي بعد أيام من إعلان رئيس المجلس الرئاسي عن مبادرة سياسية لحل الأزمة.

لقاء الدكتاتور اللطيف والمستبدّ المُخلِّص:

منذ الوهلة الأولى في نصّ المقابلة يتخلّى الكاتب عن موضوعيته ليظهر لنا انبهاره بشخصية حفتر، حيث لَمْلم أوراقه ويمّم وجهته مسرعا نحو شواهق الرجمة التي يراها حصنا منيعاً من قلاع القرون الوسطى (وهو أنسب الأزمنة للاستبداد) لا يدخلها إلا من نال زُلفى ورضى ساكنها (العسكريّ العجوز)، وما أن يدخلَها حتى يرى بعين العاشق -وهي ترى ما لا ترى الأعين الأخرى- الضيوف من مختلف الجنسيات والمشارب يعجّ بها المكان ويكتظّ، وأترك للقارئ الحكم هل ما رآه الكاتب حقيقة أم خيال؟!

ولعلّ شوق الكاتب إلى لقاء المستبدّ المخلّص جعله لا يشعر بمدة الانتظار التي قضاها حتى انصرف ضيوف العسكريّ العجوز، وهذا ما جعله ينسى ذكر ذلك مصوراً لنا ترحيب العسكري العجوز به حيث أناله شرف الجلوس بقربه، طالباً له القهوة – والأرجح أنها كانت خالية من السكر لأن حلاوة اللقاء تُغني عنه- وقبل أن يبدأ الكاتب أسئلته استشرف العسكري العجوز ببصيرته النافذة وبديهته الحاضرة ما يريد أن يسأله الكاتب، فناوله ورقة تجيب عن السؤال الذي حاك في نفسه.

وقبل أن نأتي على ما في هذه الورقة لا بدّ أن نشير إلى ما يتمتع به العسكري العجوز مما نبهنا عليه الكاتب ونحن عنه غافلون، فالرجل هو الأكثر تأثيراً –الذي على الأرجح أنه تأثير مدمّر-، كما أنه محطّ أنظار العالم، وحديث الناس الذي يعلقون عليه آمالهم في الخلاص ويتعطشون لمعرفة أخباره وأفكاره، ولم ينسَ الكاتب أن يسجل لعجوز الرجمة ابتساماته الواثقة قبل أن يجيب عن بعض التساؤلات، مما يجعل الكاتب يزداد غرقاً في بحار كاريزما هذا العسكري العجوز.

ورقة الاتحاد الأوروبي السرية ووهم الدعم الموقف الدولي:

قبل أن يبدأ الكاتب أسئلته ناوله عجوز الرجمة ورقة تتعلق بدول الاتحاد الأوروبي تتحدث عن سيطرة ميليشيات طرابلس ورجال الأعمال الفاسدين وجماعة الإسلام السياسي على المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، وتحذر حفتر وميليشياته من التواصل معه -بخلاف مواقفهم المعلنة-، وهنا نتساءل: هذه الورقة –إن ثبت وجودها- لماذا لم تحصل صحيفة المرصد التي نشرت هذه المقابلة على صورة حصرية لها، أو على الأقل فبركت واحدة كما هي عادتها؟ أترك للقارئ حرية الإجابة.

تحدث العسكري العجوز عن موقف دولي داعم له بشكل مباشر وغير مباشر –ويبدو أن الدعم غير المباشر سببه عدم الثقة فيه والتراجع والانكسار الذي تعانيه ميليشياته-، والقارئ لنصّ الحوار يدرك حالة الخَرَف والغياب عن الواقع التي يعانيها عجوز الرجمة وهو يدعي أن المجتمع الدولي يقف وراءه في حربه المزعومة على الإرهاب، ولا يفوتنا حديثه عن اغتصاب السلطة من قبل المجلس الرئاسي دون تفويض من الناس، وكأنه يشير إلى حملة تفويض المشير التي تستحي حتى منصاته الإعلامية في نقل فعالياتها.

حرب طرابلس: اجترار للمبررات وتصفية للعملية السياسية وقضاء على الدولة المدنية:

وعند حديثه عن الحرب على طرابلس وهل تمثل عملية طوفان الكرامة -التي كانت تسمى الفتح المبين- الحل للأزمة الليبية؟ أجاب بأن هذه العملية جاءت لمحاربة الإرهاب وتفكيك المليشيات المسلحة التي تسيطر على مؤسسات الدولة وعلى رأسها المصرف المركزي، وكذلك القضاء على جماعات الإسلام السياسي التي قضت على الحياة السياسية وتحالفت مع رجال الأعمال الفاسدين، وهو ما يعتبره ضرورة للوصول إلى الحل السياسي.

ولا يملك القارئ إلا أن يضحك عجباً وهو يقرأ عن تعطيل الحياة السياسية والحديث عن الفساد من عجوز الرجمة، والكل يعلم أن طرابلس نابضة بالحياة السياسية ونشاط مؤسسات المجتمع المدني لا يتوقف، وشهدت في الآونة الأخيرة تكوين، عدة كتل وكيانات سياسية جديدة ولازالت الأحزاب فيها تمارس نشاطاتها بكل حرية، بل إن الأحزاب الداعمة له والقريبة منه تمارس عملها في طرابلس وتجاهر بمواقفها، ولا تستطيع أن تقوم بذلك في بنغازي حيث لا صوت إلا صوت العسكري العجوز وجوقته المسبحة بحمده، إن الحديث عن الإسلام السياسي ليس إلا اجتراراً لمبررات ملّها الناس ومجّتها أسماعهم، وصار زيفها لا يخفى إلا من على أعمت عبوديته لحذاء العسكر بصره وبصيرته.

وأما الحديث عن الفساد فلا يصدق عليه إلا قول العرب: (رمتني بدائها وانسلّت)، وأي فساد أكبر من فساد حفتر وأبنائه وميليشياته، أم أن إهدار 35 مليار دينار خارج إطار الموازنة العامة ليس فساداً؟! وسرقة مئات الملايين من المصرف المركزي ببنغازي في أكبر عملية سطو هو مثال النزاهة ونظافة اليد؟! وطباعة العملة بلا رصيد وبالمخالفة لقانون النقد التزام بالمؤسسية وحفاظ على اقتصاد الدولة؟!

لقد كشفت هذه الحرب الأثيمة على طرابلس كل سوآت المتمرد وعصابته وأذنابه، وظهر لكل العقلاء أن ما يسميه جيشاً ليس إلا مجموعات من العصابات المجرمة التي لا تتوانى في قصف المدنيين والتنكيل بالجثامين وتصفية الأسرى لتروي تعطّش عجوزها إلى السلطة وتشبع سَورة نهمه المجنون في الحكم.

تجهيز الأرضية للمرحلة الانتقالية أم تمهيد الطريق لعودة الدكتاتورية؟

لعل أهم ما في المقابلة هو رؤية حفتر للدولة وسبيله في الوصول إليها، إن هذا العجوز السبعيني لا يرى الدولة إلا من فوهات البنادق ومدافع الدبابات، فيصرّح أن العملية السياسية لن تكون إلا بانتهاء العملية العسكرية، والتي يدعي أن أوضاعه فيها ممتازة رغم ما تكبده من خسائر في الأرواح والعتاد، ورغم ما جناه على الليبيين من ويلات وأشعله من نعرات بهذه الحرب الغشوم –فالمهم أن يصل إلى السلطة ولو ارتقى على الجماجم والأشلاء-.

العجوز حفتر -كما يُخيل إليه- بعد أن يقضي على كل مظهر من مظاهر مدنية الدولة، سيشكل حكومة وحدة وطنية (الأصح أنها أداة السلطة العسكرية) سيكون من أبرز مهامها –بعد أن تتم تصفية جميع الخصوم السياسيين ولن يكون المطبلون له من أدعياء التيار المدني استثناءً- الإعدادُ للانتخابات وسنّ قانون جديد لها على مقاسه، وكتابة دستور جديد يلائم مواصفاته، وتهيئة كل الشكليات اللازمة بعد ذلك ليستلم هو السلطة مُغرقاً بقوله هذا في سخافة أحلامه الاستبدادية التي يحاول أن يقتبسها بسذاجة من الحالة المصرية.

إن إصرار حفتر على الانطلاق من العسكرة إلى بناء الدولة –كما يزعم- وحديثه السياسي الصرف عن رؤيته السياسية التي يصور له غروره واستكباره العسكري أنها ستكون مرحلة طبيعية وسلسة تجعل رفض المجلس الرئاسي الثابت للتعاطي معه أهم متطلبات المرحلة، وأن كسر استكباره العسكرية على تخوم طرابلس ضرورة لينجبر كامل الوطن.

عيسى يسأل ويُجيب .. والملخص “حفتر ديمقراطي”

صنع الله: هناك جهات تريد بيع النفط واستخدامه لتأجيج الحرب في ليبيا