in

مقابلة خاصة مع أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة عمر زرموح

في مقابلة خاصة للرائد مع أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة عمر زرموح أكد من خلالها أن النصاب القانوني كان متوفراً في مراحل معينة، وذلك بدعوة وكيل وزارة المالية بصفته لحضور الاجتماع، مضيفاً قوله “… ولكن حتى بفرض عدم توفر النصاب القانوني، فإن الحل الآخر هو اللجوء إلى القضاء واستصدار أمر ولائي ذلك أنه لا ينبغي”، وأبدى رأيه في التسريبات حول الميزانية المتوقعة بقيمة 70 مليار دينار والإصلاحات الاقتصادية.

– بداية بما تُفسّر عدم اجتماع مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي منذ أشهر، هل المصرف يعاني تخبطاً أم قرارات أُحادية منفردة لمحافظه أم ماذا؟

· التفسير المُعلن وهو ليس سراً، أن محافظ مصرف ليبيا المركزي دعا مجلس الادارة للاجتماع 8 مرات، ولكن المجلس لم يجتمع؛ لعدم اكتمال النصاب القانوني، وهنا أرد عليهم أن النصاب القانوني كان متوفراً في مراحل معينة، بدعوة وكيل وزارة المالية بصفته لحضور الاجتماع، ولكن حتى بفرض عدم توفر النصاب القانوني، فإن الحل الآخر هو اللجوء إلى القضاء واستصدار أمر ولائي، ذلك أنه لا ينبغي، وهذا رأيي دائماً، أن يقبل أي حل خارج القانون، ولا يقبل أيضاً أي نمط إداري للانفراد بسلطة القرار.

– تسرّبت معلومات عن ميزانية بقيمة 50 مليار دينار للعام 2019 اقترحها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، رفضت من المصرف المركزي، هل أنت من المؤيدين لأن تكون ميزانية ليبيا بهذا المبلغ؟

· لا أستطيع أن أؤيد أو أرفض، ولكن أعتقد أن المبلغ لا يزال كبيراً. وقد ساءتني الأنباء الأولية التي سمعتها عن اقتراح البعض مبلغ 70 مليار، ذلك أنه مجرد التفكير في ميزانية بمبلغ 70 مليار هو خطأ فادح، أما ميزانية بقيمة 50 مليار فيمكن مناقشتها في نهاية الأمر.

الموازنات عادة تعد من القاعدة بمعنى أن الجهات الرسمية الصغرى كمراقبات التعليم والصحة والاقتصاد وغيرها وكذلك البلديات تعُد مقترحاتها فيما بعد تُقيّم تلك المقترحات من قبل الوزارات المختلفة، ويخصص مُتسع من الوقت لمناقشتها، حتى تصل إلى وزارة المالية، التي بدورها تقوم بدراستها مع اختصاصيين وخبراء،ومقارنتها بالإيرادات المتوقعة للدولة خلال السنة المالية ذلك أن الميزانية ليست مبلغاً للإنفاق فقط بل يجب أن يتوفر ما يوازي ذلك المبلغ من الإيرادات.

لكن المشكلة هي أن معظم إيرادات الميزانية تأتي من النفط وأن الإيرادات غير النفطية منخفضة جداً تتمثل في نحو 5% أو 7% من الضرائب والرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم.

وهنا اسأل لو كنا بلا نفط كما في تونس، ماذا سنفعل، الخلل يكمن في عدم تفعيل الإيرادات غير النفطية، والسؤال المهم الآخر، أين إيرادات الدولة من مشاريعها في الداخل والخارج؟! هل يجوز السكوت عنها؟

– المصرف المركزي أعلن في بيان له أن عائدات الرسوم المفروضة على النقد الأجنبي للعام 2018 وصلت إلى 12 مليار دينار، أليس بالإمكان الاستفادة من تلك العائدات في تحسين الاقتصاد الليبي؟

· هذا الموضوع مفهوم خطا، وعندما كنت عضواً في لجنة القرار 231 الذي أشرت إليه آنفاً اقترحنا في تقرير اللجنة أكثر من بديل، وكان أحد هذه البدائل القريبة من فكرة فرض الرسوم أن يُستخدم ما يسمى سعر الصرف الخاص المعلن، بأن يقرر المصرف المركزي سعر صرف معين قريب من سعر صرف السوق الموازية للبيع التجاري، ويترك السعر الرسمي للأغراض الرسمية لموظفي السفارات والطلاب في الخارج. ولذلك أعتقد أن اختيار طريقة فرض الرسوم كان اختياراً جانبه الصواب من الناحية القانونية إذ كيف يمكن للمجلس الرئاسي أن يتقاضى رسوماً نظير خدمةٍ لم يُقدّمها هو ولا وزارةً من وزاراته أو بلدية من بلدياته؟ فمن قدّم الخدمة هو مصرف ليبيا المركزي، وهو يتبع السلطة التشريعية. فإذا تركنا الجانب القانوني فمن الناحية الاقتصادية فإن العملية لها هدف يتلخص في العمل على توحيد سعر صرف النقد الأجنبي (الدولار مثلاً) عند أدنى مستوى ممكن بغية الضغط على الأسعار لتنخفض انخفاضاً مقبولاً وليس مجرد انخفاض طفيف، ولا يقبل بأي حال من الأحوال استخدام هذا المبلغ المذكور في تمويل الميزانية؛ لأن الميزانية يجب أن يكون لها مصادر دائمة للتمويل وهذا ليس من المصادر الدائمة، كما أن استخدامه في تمويل الميزانية يتعارض مع فكرة تقليص عرض النقود وإذا لم يقلص عرض النقود فيصبح من الصعب تخفيض نسبة الرسوم؛ بسبب عدم القدرة على مواجهة الطلب الكبير على النقد الأجنبي في ظل هذه القوة الشرائية الكبيرة المتمثلة في عرض النقود الذي وصل في نهاية الربع الثالث من العام الماضي إلى نحو 122 مليار دينار. وبالتالي فإن هذا المبلغ الذي لا جدال في أنه من إيرادات الدولة يجب أن يحفظ في حساب لدى المصرف المركزي، والجيّد أنهم الآن فعلّوه، أما غير الجيّد هو التصرف في عائدات الرسوم، لأن المادة الرابعة من القرار 1300 نصت على أن تخصص العائدات في “إطفاء الدين العام”، و”سداد نفقات معينة في الميزانية” وقد طالبت صراحة في أكثر من مناسبة بإلغاء هذه المادة، وتأجيل البت في هذا الموضوع إلى أن تنتهي العملية وتحقق هدفها الرئيس وهو توحيد سعر الصرف عند أدنى مستوى ممكن.

– كيف تُقيّم الإصلاحات الاقتصادية التي أعلن عنها المجلس الرئاسي ومجلس الدولة والمصرف المركزي؟

· أنا لا أعتبرها “إصلاحات اقتصادية” بما تعنيه هذه العبارة، هي معالجة لما أفسده الموجودون الآن في المشهد السياسي مع احترامي للقلة منهم، وهم معروفون، فالإصلاح الاقتصادي أكبر بكثير من هذا، الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي حصلت منذ منتصف العام 2014 كانت نتيجة إغلاق موانئ النفط في 2013؛ لأن الآثار الاقتصادية لا تظهر نتائجها فجأة، ففي الاقتصاد الأثر يأخذ غالباً فترة من الزمن، بدليل أن الناس بدأوا يتأثرون من ذلك في العام 2014م عندما بدأ الكم المعروض من الدولار ينخفض، وبدأ ظهور السوق السوداء وقتذاك، وفي تصوري فإن سبب الأزمة الاقتصادية في ليبيا شيئان: هُما، إغلاق موانئ النفط، والسياسة الاقتصادية السيئة التي عولجت بها هذه الأزمة.

إن السياسة الاقتصادية بكل مكوناتها لم تكن محابية للاستقرار سواء منها السياسة النقدية لدى المصرف المركزي أو السياسة المالية لدى وزارة المالية أو السياسة التجارية لدى وزارة الاقتصاد والتي بدورها تتأثر بدرجة كبيرة بل وحاسمة بما يتخذه المصرف المركزي من إجراءات تتعلق بسعر الصرف، وقد غذاها بشكل واضح الانقسام السياسي، وبوجه عام كان بالإمكان تجنب الأزمة والإشكاليات باتباع سياسات اقتصادية رشيدة.

– مصرف ليبيا المركزي في طرابلس قام بطباعة عملة نقدية خلال المدة الماضية، هل يُمكن أن يسهم ذلك في حل مشكلة السيولة؟

· مشكلة السيولة أن النقد المطبوع حتى الآن “تجاوز 30 مليار”، وكان يتزايد وكنّا نُراقبه، وقد أوضحت في أكثر من مناسبة ووصل صوتنا للمصرف المركزي بأن الحل ليس في طباعة عملة ورقية، بل الحل يكمن في استعادة الثقة في المصارف التجارية، والسماح لها ببيع النقد الأجنبي، وفتح الاعتمادات للجميع دون استثناء.

– لكن الرأي العام يقول إن تلك الإصلاحات لم تنجح في استعادة هيبة قيمة الدينار الليبي؟

· من حق المواطن أن يرى ما يشاء، ولكن أنا أيضاً مواطن، غير أن حديثي قد يختلف بحكم التخصص. وفي تقييمي لا أقول إن الإجراءات التي اتخذت لم تفلح في تعزيز قيمة الدينار الليبي على الإطلاق، بل الحقيقة التي نعرفها قبل أن تقع هي أن قيمة الدينار الليبي قد تعززت فعلياً بشكل واضح بانخفاض سعر صرف الدولار من 9.50 دينار إلى 4.0 د.ل تقريباً في المصارف ونحو 4.40 د.ل. في السوق الموازية ولكن هذا التعزيز لم يصل بعد إلى مستوى الطموح، بل إن الحقيقة هي أنه من غير المتوقع أن يصل إلى ذلك المستوى في أشهر قليلة، وكل ما نتمناه هو أن يضع المسئولون نصب أعينهم هدف تخفيض نسبة الرسوم المفروضة على مبيعات النقد الأجنبي إلى أقل نسبة ممكنة للوصول إلى سعر الصرف التوازني العادل الذي يلبي رغبات البائعين والمشترين ويحقق تخفيضات مرضية في مستويات الأسعار.

– شاركتم في أكثر من لجنة لدراسة الأزمة الاقتصادية، ماذا عن الاقتراحات التي قدمتموها في خلاصة تقريركم وقتذاك؟

· على المستوى الشخصي ألقيت أول محاضرة في مبادرة مني لحل الأزمة منذ سبتمبر 2015، وشاركت في أعمال اللجنة التي شكلتها حكومة الإنقاد بقرارها رقم 205 لسنة 2015 والتي قدمت تقريراً متكاملاً في أواخر العام 2015 وعقدت حوله ورشة عمل حضرها الكثيرون من أهل الاختصاص ومن بينهم مندوب عن المصرف المركزي، كما شاركت في أعمال اللجنة التي شكلها المجلس الرئاسي بقراره رقم 231 لسنة 2017 التي قدمت تقريراً من 60 صحفة في أغسطس 2017.

نحن أكاديميون تهمنا مصلحة ليبيا ونعمل مع الجميع في إطار هدف تحقيق هذه المصلحة. ولكن للأسف لم تتم دعوتي لحضور أي مناقشة لما قدمته اللجنة في تقريرها المشار إليه، بل سمعت أن التقرير قد عرض خارج الحدود ضمن موضوعات أخرى، ولا أعتقد أنه أعطي حقه من النقاش. هذا وقد ظهر علينا المصرف المركزي بتقرير آخر هو ما أسماه “الإصلاحات الاقتصادية” لم ينشر في موقعه لكي يتعرف الجميع على الشكل الدقيق أو قل النهائي لهذه الإصلاحات ليسهل تقييمها بل لاحظت من خلال ورش العمل المختلفة التي شارك فيها المصرف المركزي أن بعض عناصر التقرير تتغير من وقت إلى آخر ولذلك لم أصل بعد إلى اقتناع أن المصرف المركزي قدم حتى الآن ـ بحكم اختصاصه كمستشار للدولة ـ برنامجاً متماسكاً لما يمكن أن نسميه فعلاً إصلاحات الاقتصادية.

– ما هي العراقيل والصعوبات التي تقف أمام انتعاش الاقتصاد الليبي؟

· انتعاش الاقتصاد من الأزمة التي يمر بها حالياً، وهنا تكمن المشكلة. دعني أقول لك إنني لا أطمح في الوقت الحاضر أن تصبح ليبيا دولة متقدمة مثل بريطانيا أو فرنسا أو غيرهما، فهذا أملنا في الأجل الطويل. لا ولا حتى مثل تونس، أنا عندي حالياً طموح بسيط للغاية وبالإمكان تحقيقه بسهولة إذا خلصت النوايا وهو أن تصبح ليبيا من الناحية الاقتصادية، وفي أقرب وقت ممكن، مثل ليبيا في عام 2012، وعام 2013. وقتذاك لم تكن لدينا سوق سوداء ولا ما ينجم عنها من حاويات فارغة وبضائع فاسدة ورشاوي وتزوير فواتير ومستندات ومحسوبية في تحويلات النقد الأجنبي والتوريدات بالسعر الرسمي، ووقتذاك كانت مستويات الأسعار معقولة وفي متناول الجميع وليس كما نراها الآن قد أصبحت أكثر من 400% من مستوياتها في عام 2014. أما بالنسبة للعراقيل والصعوبات التي تقف حائلاً الآن في الخروج من الأزمة، فأعتقد جازماً أن ليبيا قادرة على الخروج من الأزمة ببساطة، والمسألة فيها جانب سياسي بالدرجة الأولى، لأن الأزمة كانت مفتعلة ولم تكن حقيقية، حتى إقفال الموانئ كان لأسباب سياسية. عليه فلا شك في أن استمرار مشكلة الانقسام السياسي هو أحد العراقيل التي تجعل عملية الخروج من الأزمة تتباطأ. أضف إلى ذلك تباطؤ الإجراءات لدى المصارف التجارية وعلى سبيل المثال فإن استخراج بطاقة عشرة آلاف دولار تأخذ وقتاً طويلاً تضيع فيه الكثير من الفرص وتتغير خلاله الأسعار، كما أن رفض فكرة بيع النقد الأجنبي ولو في شكل صكوك سياحية ولو بمبالغ صغيرة لسد حالات العلاج مثلاً يسهم بشكل واضح في استمرار السوق السوداء. ومع كل ذلك فأنا على يقين أن هذه الأزمة يمكن حلها بالعمل على تخفيض نسبة الرسوم المفروضة على النقد الأجنبي بشكل طفيف كل فترة زمنية معينة في ضوء تقييم نتائج هذه العملية، وفي نفس الوقت الابتعاد كل الابتعاد عن فكرة التمويل التضخمي للميزانية وعن فكرة استخدام الرسوم مصدراً لتمويل الميزانية إلى ما بعد انتهاء عملية توحيد سعر الصرف، وعند ذلك الوقت يمكن استخدام رصيد عائدات هذه الرسوم في إطفاء الدين العام ويجب أن يكون ذلك من خلال قانون الميزانية وليس بقرار من جهة تنفيذية.

أما إذا خرجنا من هذه الأزمة فإننا يجب أن نتوجه إلى الطموح في الأجل الطويل وأخذ العبر والدروس من الأخطاء التي وقعت في العقود الأربعة الماضية والتي أفشلت الدولة في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وهي أخطاء واضحة ومعروفة ونعرف كيف يمكن للدولة أن تتجنبها من أجل تحقيق الرفاهية لمواطنيها.

وزراء الوفاق يشكلون لجنة لدراسة متابعة ميزانية العام الحالي

قوى مدنية وعسكرية في غريان تعلن رفع الغطاء الاجتماعي عن مؤيدي عملية الكرامة بالمدينة