in

ماذا يريد حفتر في الجنوب الليبي؟

مجموعة من الدوافع وراء اتجاه قائد الجيش التابع للبرلمان خليفة حفتر إلى المنطقة الجنوبية وإعلانه عن عملية عسكرية لتحريرها ممن وصفهم بالعصابات الإجرامية، أبرز هذه الدوافع هو محاولة العودة إلى تصدر المشهد في ليبيا بعد الانحسار الذي طرأ على مشروعه خاصة بعد رفضه لكل الحلول السياسية، كما أنه يعتقد أن السيطرة على المنطقة الجنوبية تعني تضييق الخناق على المنطقة الغربية وبالتالي ستنصاع له سلميا، كذلك فإن زخم الترتيبات الأمنية الذي سيطر على الرأي العام المدة الماضية قد أثار حفيظة قائد الكرامة كونه يرى نفسه المخول الوحيد بالحديث في كل ما يتعلق بالجانب الأمني.

ورغم عشوائية تحركات الرجل وشجاعته الظاهرية وخطواته غير المحسوبة في أغلبها، إلا أن مغامرة كهذه لا يمكنه سبر أغوارها دون الحصول على ضوء أخضر من حلفائه، وفرنسا هي الحليف الأقوى والأكثر اهتمامًا بالجنوب الليبي لأسباب تاريخية وجغرافية مرتبطة بمصالح استراتيجية.

وليس خافيا على أحد التجاذب الفرنسي الإيطالي حول ليبيا الذي ازدادت حدته في الآونة الأخيرة، فالهدف الحالي لفرنسا في الجنوب هو الحدّ من الهجرة غير الشرعية إلى الشمال عن طريق تجفيف منابعها جنوبًا، وهو ما تقاطع مع دوافع حفتر المذكورة في إطلاق عمليته العسكرية، باريس تراهن من خلال ذلك على نجاح حفتر في الحدّ من هذه الظاهرة لكسب مزيد من الحلفاء الأوروبيين الذين تؤرقهم معضلة الهجرة، وهو ما يعني تضاؤل ثقل روما في حوض المتوسط وتحديدا في ليبيا.

من المهم التذكير بأن فتورا كان قائما في العلاقة بين الحكومة الفرنسية وحفتر بسبب تعنت الأخير في تنفيذ اتفاق باريس، وإصرار ماكرون على الحل السياسي في إيماءٍ لقائد الكرامة بإمكانية التخلي عنه، وهو دافع آخر يجعل حفتر يسارع جنوبا خدمة لمصالح الحليف الأقوى.

حفتر لم يواجه كثيرًا من العراقيل في طريقه نحو الجنوب، فمنذ خروج القوة الثالثة لم يبق في الجنوب إلا بقايا ميليشيات قبليّة تتناحر في أرضٍ مفتوحة، وحدود تمتد لآلاف الكيلومترات بها على الأقل أربع معابر مع دول مختلفة، إضافة إلى الانقسام الحاد بين مكوّنات الجنوب والذي وصل حد الاقتتال والتناحر لأسباب عرقية تارةً، وصراعًا على النفوذ تارةً أخرى، وبالتالي لم يجد حفتر أية صعوبة في دخول الجنوب رغم إمكانياته البشرية والمادية المتواضعة.

هذه الأسباب التي جعلت حفتر يدخل بسهولة إلى الجنوب لا تعني بالضرورة أنه في طريقه للسيطرة عليه لأسباب عديدة:

– انقسام أهالي الجنوب بين مؤيد ومعارض لعملية حفتر، والواقع يقول إن ازدياد المعارضين أقرب منه لازدياد المؤيدين لسبب بسيط يكمن في أن أهالي الجنوب لا يتطلعون إلى عملية عسكرية على أرضهم بقدر تطلعهم إلى من يجلب لهم السيولة والكهرباء والوقود وهو ما يستحيل على حفتر توفيره.

– ضعف الإمكانيات البشرية بالأخص، فجنوده المنحدرون من برقة ربما ينجرون وراءه في قتال المتشددين في بنغازي أو درنة لامتدادهما الشرقي، لكنه لن يحصل على موافقتهم بسهولة في حرب بعيدة عن الشرق ولهدف هلامي غير واضح.

– افتقاد العملية للتوافق الدولي، وحتى فرنسا لم تصرح علنا بدعمها للعملية، البعثة الأممية أعربت عن عدم ارتياحها لأي تحشيد عسكري في الجنوب.

بلا شك الجنوب الليبي يعاني كثيرا من المشاكل بداية من عصابات التهريب، ومرورا بعبث قوات المعارضة التشادية والمعارضة السودانية بالمناطق الحدودية، وانتهاءً ببعض خلايا التطرف الذين وجدوا مناخا ملائما خلّفه الفراغ الأمني هناك.

لكن هذه المشاكل لا تُحل بالطرق العشوائية، بل ستزيد من تعقيدها، والحكومة الرسمية ممثلة في المجلس الرئاسي هي من تتحمل وزر هذا الوضع المزري، وما زال التلكؤ في اتخاذ أية خطوة من شأنها أن تكون بداية الحل هو سيد الموقف.

إن شخصية خليفة حفتر التي تغذت على الانقلابات العسكرية وأسكرها حب التسلط لا تؤمن بأي نظرية للوصول إلى السلطة إلا نظرية أن السلطة هي غنيمة حرب، فهي لا تستطيع أن تنمو في بيئة السلم والاستقرار، أو يبزغ نجمها في مناخ الحرية والديمقراطية، فمثل هؤلاء ربما يستطيع السيطرة على الناس على ظهر دبابة، لكنه لن يستطيع أن يدير شؤونها من على ظهرها، وهي النقطة الأهم التي يجب أن يتفطن لها أهالي الجنوب والليبيون جميعا، ومن باب أولى المجلس الرئاسي وحكومته، وكل تأخير في اتخاذ خطوة جادة حيال المشكلة، سيكون مسمارا يُدق في نعش الجنوب، وعندها لن ينفع الصراخ والعويل.

المصدر: ليبيا الخبر

عبدالجليل يبحث مع وفد من بلديات الزاوية صعوبات العملية التعليمية

انقطاع الكهرباء عن مناطق بالجنوب جراء الاشتباكات في غدوة