in

سلامة وتصريحاته المتناقضة

نظر الليبيون إلى مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة عند تعيينه في يونيو 2017 نظرة تفاؤل بإمكانية نجاحه في حل أزمتهم، خاصة لكونه من بلد عربي، إذ إن كونه لبنانيا قد يسهل عليه فهم طبيعة الشعب؛ لأن بلاده مرت بأزمة تشبه كثيرا أزمة ليبيا، كما أن أمامه قاعدة ربما يؤسس عليها لبناء الحل في ليبيا، وهي الاتفاق السياسي الذي صدّقت عليه معظم الأطراف السياسية الليبية، وحظي بدعم كبير من المجتمع الدولي.

سلامة لم يضع الكثير من الوقت ووضع خططا رأى أنها مناسبة وقد تكون هي الحل في رأي الكثير من الليبيين، لكن تعقيدات المشهد جعلت من تصريحات الرجل متناقضة وأبعدته عن الصورة، ذهبت معها أحلام وتفاؤل المواطن اللليبي بإمكانية الحل أدراج الرياح.

سلامة بدأ مهامه في ليبيا بخطة تتكون من ثلاث مراحل رأى بعض أنها مثالية لإنهاء الصراع الإداري والقانوني في المجلس الرئاسي؛ باعتبار أن الخطة تنص على تعديل الاتفاق السياسي، وتقليص أعضاء الرئاسي إلى رئيس ونائبين.

ونصت المرحلة الثانية على عقد مؤتمر وطني تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة، يهدف إلى فتح الباب أمام أولئك الذين جرى استبعادهم، وأولئك الذين همَّشوا أنفسهم، وتلك الأطراف التي تحجم عن الانضمام إلى العملية السياسية، فيما تتضمن المرحلة الثالثة من خطة سلامة الذهاب إلى النقطة الأخيرة في غضون سنة من تاريخ إعلان الخطة، ويشمل ذلك إجراء استفتاء لاعتماد الدستور، يلي ذلك، وفي إطار الدستور، انتخاب رئيس وبرلمان، وبذلك تنتهي المرحلة الانتقالية.

ولكن الخطة الأولى فشلت؛ لعدم توصل الأطراف الليبية المتمثلة في الأعلى للدولة ومجلس النواب إلى توافق حولها، فبادر المبعوث الأممي بطرح خطة ثانية في أبريل 2018 تقضي بعقد المؤتمر الوطني الليبي، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام، معلّقة سبب إجرائها على عدم وجود قاعدة دستورية تبنى عليها الانتخابات.

وسرعان ما تدارك سلامة الموقف وأعلن، في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي في نوفمبر المنصرم، أن الانتخابات الليبية ستجرى في ربيع العام المقبل، وأن الملتقى الوطني الذي سيضع القاعدة التي تقوم عليها الانتخابات سيعقد في مطلع عام 2019.

وقد بدأ تناقض المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، حينما صرح في مقابلة له مع وكالة “فرانس 24″، أن الملتقى الوطني الجامع سيكون ضاغطا على مجلس النواب؛ لإصدار قانون الاستفتاء على الدستور، بعد أن كان الغرض من الملتقى بناء القاعدة الأساسية للانتخابات، ويريد تجاوز مجلس النواب لعدم إصداره قانون الاستفتاء.

ليعود سلامة ويصرح من سبها الأحد الفائت، أن هناك شروطا يجب توفرها قبل إجراء الانتخابات في ليبيا، أهمها التزام الأطراف بقبول نتائج هذه الانتخابات، وتوفر قانون انتخابي وجوّ أمني مقبول في البلاد، يسانده ارتياح اقتصادي واجتماعي لدى المواطنين، وهذا يعدّ تراجعا من المبعوث الأممي عن تصريحاته التي أكد فيها أن الاستفتاء على الدستور يجب أن تسبقه الانتخابات، وأنها يجب أن تبنى على قاعدة دستورية.

كما أثار سلامة الجدل بتناقضاته في تصريحاته الأخيرة بشأن إمكانية تأجيل الاستفتاء على الدستور وإجراء انتخابات، واستبعد سلامة إجراء انتخابات رئاسية خلال الربع الأول من العام الحالي؛ بسبب غياب دعم دستوري، مبديا أسفه حيال “مماطلة مجلس النواب في إعداد مشروع الدستور وعرضه للاقتراع، والذي يحدد صلاحيات الرئيس بشكل واضح”، واعتبر أن “إجراء انتخابات برلمانية أمر ممكن قبل نهاية مارس القادم”.

وهاهو سلامة يخرج علينا اليوم بتصريح آخر، ويقول إنه لن يكون هناك أي تأجيل للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإنه مستعجل لإجرائها أكثر من الليبيين أنفسهم، مشيرا إلى أن البعثة لم تعلن تواريخ محددة لكي تقول إن الانتخابات أُجلت، مطالبا الطبقة السياسية بالاتفاق على القانون الذي يجب أن تجرى على أساسه الانتخابات، وتناسى أن الخطة التي وضعها تنص على إجراء الانتخابات في مارس المقبل، وله تصريحات سابقة تفيد بأن الانتخابات ستجري في منتصف 2019، كما أن تصريحاته الأخرى بضرورة أن يسبق الاستفتاءُ على الدستور العمليةَ الانتخابية، تناقض مطالبته الأخيرة للطبقة السياسية بالاتفاق على القانون الانتخابي.

هذا التغير في التصريحات من فترة إلى أخرى يمكن فهمه، ولكن المبعوث الأممي تجاوز المعقول وأدلى بتصريحات لكل وسيلة إعلامية مغايرة لسابقاتها، وبقرارات وآراء أخرى، وهذا من غير المنطقي، ويعتبر استخفافا بعقول الليبيين الذين يأملون أن تجرى الانتخابات في أقرب فرصة؛ لتنتهي المراحل الانتقالية سريعا.

وهذا يطرح سؤالا مهما، وهو لماذا هذا التناقض في التصريحات؟

أظن أن سلامة الآن يلعب الورقة الأخيرة في رحلته كمبعوث أممي في ليبيا، وهي ورقة الانتخابات، وهذه الورقة يجب أن يدرسها جيدا، وهو ما يجعله يراها في كل يوم من زاوية مختلفة، والمتغيرات التى تجري في الساحة الليبية بسرعة رهيبة هي ما يجعل سلامة يعيد النظر في تصريحاته السابقة.

أنا لا أختلف مع سلامة في أن المشكلة في ليبيا هي الوصول إلى إجراء الانتخابات وإصدار الدستور، ولكن المشكلة هي الضامن لاحترام نتائج الانتخابات، واحترام مواد الدستور الذي سيصدر، وأستبعدُ أن تقبل الأطراف الحالية، خاصة التي تمتلك القوة العسكرية، إقصاءها من المشهد إذا خسرت نتائج الانتخابات، وهذا ما يجعل سلامة متخوفا من إنهاء الأجسام الحالية بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية كي لا يحدث فراغ سياسي، وفي الوقت ذاته يريد إنهاء الأجسام الموجود لأنها شبه ميتة، فهذه المعطيات هي التي تشتت تفكير سلامة.

ومع هذا يجب أن يدرك المبعوث الأممي ضرورة توفر الظروف الأمنية قبل الدستورية لإجراء الانتخابات، وما يوفر هذه الظروف هو العمل، وليس التصريحات الإعلامية المتناقضة، وتحديد المواعيد وتأجيلها؛ لأن سبب تأجيل الانتخابات والاستفتاء أمني، وليس قانونيا.

بودي يؤكد دعم أمريكا للنهج التوافقي الذي تسير عليه حكومة الوفاق

الصراع الإيطالي الفرنسي على ليبيا … من تحت الطاولة إلى فوقها