in

هل سيسيطر حفتر على طرابلس؟

عندما يفقد الإعلام التابع لقائد جيش البرلمان خليفة حفتر المادة الإعلامية للترويج لانتصارات أو الحديث عن إنجازات، أو عندما يمرّ حفتر بمأزق سياسي يَشُقّ على إعلامه تبريره، ينتهج هذا الإعلام طريقة “الهروب إلى الأمام” ليهتمّ بتناول قضايا أو ملفات بعيدة عن الواقع، ليلفت أنظار الناس عن قضايا مهمة أو عن فشل ذريع. من هذه الملفات، ملف تحرير العاصمة من الإرهاب، أو تحرير طرابلس من الميليشيات المسلحة.

يدرك حفتر تمام الإدراك أن مشروعه المدعوم من دول إقليمية في حكم ليبيا عسكريا لا قيمة له دون العاصمة، وبالتالي فإن مكوثه في المنطقة الشرقية، والسيطرة الهشّة على أغلب مناطقها يعني أن الدعم الإقليمي في طريقه إلى التضاؤل، هذا التضاؤل – لو حدث- سيقضي على حفتر بشكل مطلق، كما أنه يريد بالسيطرة على طرابلس إعادة اعتراف العالم به بعد أن انتزع الرئاسي هذا الاعتراف بفضل الاتفاق السياسي، سبب آخر يجعل من حفتر يوعز لإعلامه بالحديث عن العاصمة، وهو أنصاره الذين أوهمهم بسهولة وصول قواته إلى طرابلس والسيطرة عليها.

وإذا كان نجاح حفتر في السيطرة على المنطقة الشرقية منوطا بعدة عوامل أبرزها:

​التركيبة القبلية لسكان المنطقة الشرقية ونجاح حفتر في استيعاب هذه القبائل.

​التأييد الشعبي الذي نتج عن تصاعد أعمال الإرهابيين والمتشددين المروّعة؛ ما جعل الرأي العام هناك يتوحد ويقف صفا واحدا ضد الإرهاب.

​الضوء الأخضر من المجتمع الدولي خوفا من تمدد الجماعات الإرهابية.

​جغرافيا المنطقة الشرقية المحاذية لمصر الداعم الأول لمشروع حفتر.

وبالقطع، فإن هذه العوامل لا تتوفر في المنطقة الغربية، وفي العاصمة طرابلس بشكل خاص، فالقبيلة -وإن كانت موجودة- فلا تأثير يُذكر لها، والجماعات الإرهابية قد دُحرت من قوات لا تدين بالولاء لحفتر ولا لمشروعه، والاعتراف الدولي للرئاسي وحكومته يزداد ويسير جنبا إلى جنب مع تحركات الرئاسي الناجعة خاصة في الملفين الأمني والاقتصادي، إضافة إلى أن العتاد المادي والبشري لحفتر لا يقوى على حرب هدفها السيطرة على مساحات شاسعة كما في هذه الحالة.

ومع مرور الوقت، تتضاءل فرص حفتر -القليلة- في السيطرة على طرابلس، فالمقارنة البسيطة بين الحالتين ليست في صالحه، الحرية شبه منعدمة في مناطق سيطرة حفتر، والاختطاف والقتل هو منهج مواجهة من يعارضه حتى تلميحًا لا تصريحًا، والحياة المدنيّة والسياسيّة غير مسموح بها إلا لمن يسبح بحمده، مع الأخذ في الاعتبار الوضع المعيشي والخدمي السيء الذي تعيشه المنطقة الشرقية والذي لم تنجح كل مساحيق التجميل التي يستخدمها إعلامه في مداراتها.

كل ذلك يقابله ازدياد في معدل الحرية في المنطقة الغربية – مع وجود منغصات-، ونشوء عدد من التكتلات السياسية الجديدة الذي يدلّ على رغبة الشارع في الحياة المدنية والديمقراطية التي تتصادم مع مشروع حفتر، كما أن التحسن الحاصل في الوضع الاقتصادي يرجع فضله إلى سلطات طرابلس بعد إقرارها لملفي الإصلاحات الاقتصادية والترتيبات الأمنية.

الأجدى بحفتر في هذا الوقت هو قليل من الوطنية، وكثير من الواقعية في قراءة المشهد السياسي محليا وخارجيا، فالمشهد الداخلي في ليبيا يتجه في أغلبه إلى الإقرار بعدم جدوى الحل العسكري وأن الحلول السياسية السلمية هي الطريق الأوحد للخروج من الأزمة، وخارجيا يستمر المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن في حظر الأسلحة على ليبيا ما يعني دعمه لحل الأزمة سياسيًّا، وبالتالي فإن إصراره على لعب لعبة الموت لن يوصله إلى ما يريد فضلا عن تدميره لكل ما تبقى من مقدرات البلاد المنهكة.

لا أعتقد أن حفتر يجهل كل هذه العوامل، لكن سكرة الانقلابات والحكم بالقوة التي تسيطر عليه هي التي وراء هذا الإصرار، وانقلاب السيسي في مصر واستمراره في الحكم بالقوة جعل نهمه السلطوي يزداد، لكن “عسكريّ” ليبيا لم يحالفه الحظ؛ لأنه جاء في دولة اعتمد فيها النظام السابق على كتائب حماية وليس على جيش منظم، وإلى حين بناء هذا الجيش سيكون على الليبيين تعميق وعيهم بمخاطر الحكم العسكري، والنضال من أجل قيام دولة مدنية تكون فيها مهام الجيش محصورة في حماية حدود البلاد وأمنها القومي، وتحت سلطة مدنية منتخبة.

المبروك الهريش/ كاتب ليبي

المصدر: ليبيا الخبر

النفط يحقق مكاسب أسبوعية لتخفيضات أوبك وقرب انتهاء الخلافات الأمريكية الصينية

الجهيناوي: من المهم الإعداد الجيد للاستحقاقات الثنائية القادمة بين ليبيا وتونس