in

الملكية .. مُنجِزة الاستقلال ومضيِّعتُه

عجّت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي بحديث الليبيين عن الذكرى السابعة والستين لاستقلال ليبيا، كلها كانت بنبرة اعتزاز وتمجيد لما قام به الملك محمد إدريس السنوسي ورفقائه في منتصف القرن الماضي من انتزاع قرار الاستقلال ونيل ليبيا لسيادتها.
 
غيرَ أنّ هذا التعاطي لم يتجاوز “الاعتزاز والتمجيد” إلا قليلا، رغم أهمية هذه الذكرى بالنسبة لدولة كليبيا تمشي تعثرًا وتخطو تردّدًا نحو البناء.
 
بكل تأكيد كان تحقيق الاستقلال حينها هو أشبه بحلم انتظره الليبيون كثيرًا؛ لأن معنى الاستقلال حينها هو تحرر البلاد من حكم الانتداب ونير الاستعمار، حيث أنّ الاستقلال أخرج ليبيا من سلطة الانتداب، وشعر الليبييون بعده بالتحرر.
 
وقبل الخوض في زاوية هذا المقال، لا يمكن لي إلا الاعتزاز والإشادة بما قدمه الأجداد والذي لا يدل إلا على روحهم الوطنية الجامعة ِشبه المفقودة عند الليبيين الآن.
 
ثمة أسباب عديدة وراء انهيار هذا الاستقلال بعد ثمانية عشر عاما من نيله، لكن أبرزها هو أن معاني الاستقلال لم تتجسد في الشعب، وأصبح -مع مرور الأيام والشهور- مجرد احتفال يحتفل به الليبيون دون أن يستوعبوا أهميته، ودون استشعار الخطر بإمكانية فقده.
 
“الحفاظ على الاستقلال أصعب من نيله”، هكذا قال الملك إدريس، لكنه لم يفعل الشيء الذي يحافظ به على الاستقلال، بل عرقل كل ما من شأنه الإبقاء على هذا الاستقلال من تهميش للحياة السياسية والمدنية، فالاستقلال للشعب وليس لطائفة منه، وهو الملزَم بجميع مكوناته بالحفاظ عليه، ولأن الوعي بأهمية الاستقلال لدى الشعب كان ضعيفا وهشًّا؛ لم يجد الانقلاب أية صعوبة في ضرب الاستقلال، بل وضرب كل شيء يفضي إليه حتى أصبح في ليلة وضحاها “استقلالًا مزيفًا”.
 
إن افتقار البلاد في العهد الملكي للمؤسسات السياسية كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات المهنية والطلابية، واعتماد الملك على الشخصيات البارزة ذات الزعامة القبلية أو الجهوية، واتكاؤه عليها، رسّخ التخلف والجمود في المجتمع؛ ما جعل من الملك ونظامه لقمةً سائغةُ لمجموعة من صغار الضباط، سيطروا على البلاد بكل سهولة ويسر، وعاثوا فيها فسادًا لأربعة عقود، هذا النهج جعل الملك حينها يواجه الانقلاب وحده، ولم يجد بدًّا من ترك البلاد في غفلة الشعب الليبي الذي خرج يؤازر الانقلاب على مسار البناء، وبلا شك فإن هذا الشعب لم يأتِ من المريخ ولم تحركه أيدي المخابرات.
 
إنّ معنى الاستقلال تغير عمّا هو عليه قبل سبعة وستين عاما، خاصة بعد تمدد العولمة وثورة الاتصالات، وأصبح معنى الاستقلال في تلك الفترة لا يمثل إلا جزءًا صغيرا من معناه الحالي. فمجرد التحرر من الاستعمار كان وقتذاك استقلالا عظيمًا تحتفي بها كل الشعوب صاحبة الإنجاز، أما الآن فإن الدولة التي لا تواكب متطلبات العصر التكنولوجية والعلمية، ولا تجاري التطور السريع في أساليب الاتصال التي لا تعترف بحدود الدول ولا منطق القوة، هي دولة لا استقلال لها حتى وإن تغنت به، واعتزت بذكرى تأسيسه. فالقواعد الأمريكية لا تزال موجودة على أرض ألمانيا من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهي الدولة الأكثر تطورا علميا في أوروبا الآن، وتشاد ترزح تحت الجهل والتخلف رغم أنه لا وجود لأي قوة عسكرية خارجية على أرضها، وأترك للقارئ خيار تحديد من هي الدولة الأكثر استقلالاً.
 
ورغم أن النظام الملكي كان خيارا جيدا حينها؛ إلا أن المنادين بعودة الملكية في هذا الوقت واستغلالا لهذه الذكرى هم أشبه بمن يعالج مرض السكري بالحنظل، وهو علاج استخدمه قدماء المصريين متغافلا كل الأدوية الحديثة الناجعة، وهو يعبر عن مدى بعدهم عن استيعاب الواقع الجديد في ليبيا، والتغيرات السياسية والثقافية والاجتماعية داخلَه.
 
إن الوصول إلى استقلال حقيقي يمثل امتدادا لإنجاز 51، يحتاج إلى تهيئة الوعي المجتمعي بأهمية وجود نظام سياسي يقوم على تأهيل الفرد وتقويته، وخلق جيل جديد يؤمن بمبادئ هذا الاسقلال بعيدا عن ثقافة الخنوع للمستبد؛ لأن الحفاظ على الاستقلال لا يتأتى بمجرد الاعتزاز والتمجيد، ولأن الوطن لا يمكن أن يكون كبيرًا بمواطنين صغارٍ.
 
الكاتب : المبروك الهريش
 
المصدر : موقع ليبيا الخبر

السراج وباشاغا يناقشان الإجراءات الأمنية عن الهجوم على الخارجية

عقيلة يطالب المفوضية بالإسراع في إجراء الاستفتاء على الدستور