in

استقواء النواب بموسكو.. اختراق للموقف الدولي أم إفلاس سياسي

معلوم للجميع أن ليبيا لم تنجح في الخروج من المراحل الانتقالية التي تعاقبت بعد ثورة فبراير 2011 لأسباب متعددة ومعقدة، لكن أبرزها هو التدخلات الخارجية خاصة في الفترة ما بين الثورة إلى بداية التحضير للاتفاق السياسي الذي رعته بعثة الأمم المتحدة، حيث نجحت الأمم المتحدة حينها في تجميع الأطراف الدولية والإقليمة حول مشروع واحد تمثل في الاتفاق السياسي، أو على الأقل هذا ما ظهر من مواقفهم العلنية.

المجتمع الدولي بجناحيه الشرقي “روسيا والصين”، والغربي “الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين” أعلن دعمه الكامل لخارطة الطريق التي تقودها البعثة الأممية المتمثلة في الاتفاق السياسي، وكذلك فعلت الدول الإقليمة.

هذا التوافق مثّل -في وقت من الأوقات- فرصة لليبيين حتى يتجاوزوا المراحل الانتقالية وتسير البلاد نحو الاستقرار وتقطع بذلك الطريق أمام تدخلات خارجية فردية معينة تسعى كل منها إلى تحقيق مصالح محددة في ليبيا تتضارب مع مصالح تدخلات أخرى.

لكن أطرافا ليبية أدارت ظهرها لهذه الفرصة، وأصرّت على التدخل “المنفرد” لبعض الدول في الأزمة الليبية؛ ما عرقل تنفيذ الحل السياسي، وآخرها الطلب المُعلن الذي قدمه وفد مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح إلى روسيا بـ”التدخل في الشأن الليبي”.

وبصرف النظر عن الحديث في السيادة الليبية التي لم تكن ضمن معايير وفد النواب أثناء طلبهم التدخل الروسي، فإن المتابع البسيط للشأن الليبي يدرك أهمية اتفاق المعسكرين الشرقي والغربي في ليبيا، لأن اختلافهما هو الذي كان سببا في استدامة الأزمة السورية، وجعل سوريا ساحة صراع للمصالح التي هي أبعد ما تكون عن مصالح سوريا وشعبها.

واقع الحال يشي بأن روسيا لن تتعاطى مع هذا المطلب، على الأقل في المستقبل القريب، لأن أقصى ما يهمّ الروس أمران: “محاربة الإرهاب، والنفوذ الاقتصادي”، الأول في يد الولايات المتحدة، والثاني ضمنه رئيس الرئاسي في صفقة القمح الأخيرة التي قُدّرت بأكثر من 700 مليون دولار. وأقصى ما يلعبه الروس بالقضية الليبية هو لعب دور المشاكس للولايات المتحدة دون أن يرتقي إلى مرحلة الفعل خاصة على المستوى العسكري.

في حقيقة الأمر، لا تُعدّ هرولة عقيلة صالح إلى روسيا وطلبه التدخل شيئًا مستغربًا؛ فالرجل عوّدنا في جلّ تصرفاته السابقة على عشوائية تحركاته، وأن “إطالة مدة بقائه” هي البوصلة التي تحدد وجهته، خاصة بعد الدعم الدولي الكبير الذي تحظى به حكومة الوفاق الوطني التي لم يعترف بها عقيلة، وقرب المؤتمر الجامع الذي سيجرده من كل قوته الكامنة في عدد من الاستحقاقات التي تتطلب وجوده وأبرزها الاستحقاق الدستوري.

لا شك أن أكثر ما يرهق الدول التي تمرّ بمراحل انتقالية هو التدخلات الخارجية المتباينة من دول مختلفة يتحالف كل منها مع طرف من أطراف الصراع داخل هذه الدولة، تدعمه إما سياسيا أو عسكريا أو أمنيا بشكل يسهم في توسيع الهوّة وترسيخ الشقاق بين الأطراف المحلية ويغذي الصراع ويطيل من عمر هذه المرحلة.

ليس المقصود من هذا الكلام العزف على وتر السيادة الوطنية وتجاهل الواقع برفض أي دورٍ دولي أو إقليمي لحل الأزمة الليبية، فليبيا جزء من محيط إقليمي ودولي يتطلب مشاركة هذه الدول في قضايا الاهتمام المشترك التي لا تستطيع ليبيا وحدها مواجهتها مثل الإرهاب والهجرة، الأمر الذي يتطلب حسن تدبير وحصافة من الساسة الليبيين، واللعب على عامل التنافس الدولي خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا واستغلاله لمصلحة ليبيا واستقرارها، وبالعموم فإن دور هذه الدول يجب أن ييقى محكومًا باحترام السيادة وأن يتم من خلال المنظومة الدولية المتمثلة في المؤسسة الأممية، وفق أحكام القانون الدولي والأعراف الدولية، لا أن تهدر السيادة على طاولة المناكفة السياسية المتهورة.

الكاتب :المبروك الهريش

المصدر : موقع ليبيا الخبر

 

أمر قوة حماية سرت: القوات التابعة لحفتر تراجعت والوضع في المنطقة مستقر

طريقة نقل الصور للآيفون عن طريق الكمبيوتر