in

“نواهض السابع”… من معالجة الفاروق لفوضى الإدارة إلى معالجة النواهض لاستبداد السلطة

لقد كانت العرب لا تعرف في الحرب تكتيكًا سوى الكر والفر كما وصفه امرؤ القيس في معلقته الشهيرة بقوله في وصف حصانه:
مِكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معًا !
إما مستطرد في طراد العدو وإما جافل أمامه طلبا للهرب.
فلما جاء الجيل الجديد من الحروب وتنظيمها في دولة المدينة بقيادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تغيّر التكتيك الحربي عبر نقل المعرفة والخبرة الفارسية في التكتيك عن طريق خبير فارسي هو سلمان الفارسي رضي الله عنه، لمّا اقترح على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إيقاف الهدر والاستفادة من معطيات الجغرافيا وتوظيف الاستحكامات الطبيعية للمكان وساحة القتال لاحتواء هجمة العدو التي تعرف بالصدمة، فقال له: يا رسول الله، أرى أن لا نخرج إليهم بل نحفر خندقا، فسأله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن طبيعة هذا الأمر بقوله: وما الخندق؟ لأنه ليس شيئا تعرفه العرب من قبل، فشرح له الأمر، فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ له مباشرة: إذا فلنخندق هنا، وعرّب الكلمة وصاغها ضمن الميزان الصرفي العربي، والمصطلح العسكري المديني، وبذلك وضع حدا للهدر بمواجهة عدو لا طاقة لك به بطريقة مبتكرة.

لما شعر الفاروق بأن الفوضى تكاد تقضي على بيروقراطية الدولة استفاد من طريقة الفرس في تنظيم الدولة، واعتمد نظام الدواوين الذي لم يكن معروفا من قبله في بلاد العرب، وهكذا خطت الدولة خطوة مميزة على يديه نحو الدولة العصرية، وارتقت من الدولة العفوية المعتمدة على الهيعات والصيحان والنذير العريان إلى تنظيم وإدارة عسكرية نظامية.

توفي الفاروق رضى الله عنه عام 644 م أي قبل 1374 عاما، تراكمت خلالها أخطاء تاريخية فادحة وقاتلة أبرزها الاستبداد السياسي، مما يلقى على كاهل النواهض مهمة احتواء الاستبداد وتصحيحه كأبرز خطأ سياسي تاريخي حدث في واقع مجتمعاتنا، ويجعل أمر مراجعة كل التبريرات الدينية له فوق طاولة البحث، بل والرفض المبدئي كما أشار إلى ذلك الأستاذ شلتوت في كتاباته بخصوص النظرية السياسية الإسلامية في كتابه “من توجيهات الإسلام” حين ناقش أسس مشروعية النظم السياسية.

النواهض بين خيار اللصوص المتغلبة والحكومة الديمقراطية

وصل الانحطاط الاجتماعي والسياسي في مرحلة ما، أن جعل الفقهاء يستسيغون صيغة حكم المتغلب المستبد، ويعترفون ليس بمشروعيتها بل بأفضليتها على الحاكم الذي يختاره الناس بمحض إرادتهم دون إكراه.
بل عندما تستمع إلى خطاب دار الإفتاء الليبية على لسان رئيسها من جهة عندما يتكلم عن الديمقراطية معترفا بها على مضض، أو على لسان رموز تيارها ممن تسوق لهم قناة دار الإفتاء يخرج أحدهم بكل متلازمة الجهل السياسي والشرعي بقوله: لو وصل الحاكم المسلم إلى الحكم فلن نكون في حاجة إلى هذه الأحزاب والانتخابات، أي أنهم بمجرد أن يصلوا إلى الحكم سيكون فوزهم يومها آخر انتخابات ستشهدها البلاد، بل حتى الضيوف الأجانب ممن تستضيفهم برامجها تنضح مشاركاتهم باعتبار أن الديمقراطية كفر وتتناقض مع نظرية الإسلام.

هذا التراكم السياسي التاريخي السلبي هو السبب في عدم وصول الحكام في منطقتنا عبر انتخابات نزيهة حرة شفافة، أفضلهم وصل عبر التزوير في ديمقراطية مزيفة أو مبرمجة، بل في ليبيا كان يوم 2012/7/7 م هي أول مرة في تاريخ ليبيا يصل فيها الحاكم إلى الحكم عبر انتخابات نزيهة شفافة شهد لها الجميع.
طبعا النقد الأبرز للديمقراطية في ظن التيار الديني المتشدد هو أنها تعطى فرصة لكل من هب ودب أن يصل إلى الحكم، وأنها تعطي النواب حق مشاركة الله في التشريع، وكلا الفهمين ناتجين عن خلل في الفهم من جهة المشاركة في التشريع مع الله، ومن جهل بالتاريخ السياسي والحكام الذين حكموا الشعوب الإسلامية وكأنهم ليسوا هم أيضا من هب ودب، بل توارثوا الحكم حتى وصل بهم الانحطاط والتزييف أن أوصوا إلى أطفال دون سن الرشد، ووصل مأزومون نفسيا وساديون إلى سدة الحكم، وجهلة وفساق أيضا، وعلى الرغم من ذلك قالوا “لا يهم حتى لو فاسق لو تغلب حي الله!” أما الفاسق إذا وصل بالانتخاب فعندهم تجاهه حساسية نفسية لا يمكن تبريرها.

الديمقراطية خيارنا الذي سنعالج به خطأ التاريخ السياسي في الاعتراف بمشروعية العسكر الانقلابيين، بل يجب تحصين مجتمعاتنا ضد هذه الفضيحة السياسية التي جيء بالشريعة الإسلامية وصنع منها ورقة توت لتغطيتها، وهو أكبر خطأ سياسي في تاريخنا على الإطلاق، بل يجب تجريم الانقلابات وتجريم مغالبة الشعب على إرادته السياسية، وليس ذلك متاحا إلا عبر آلية الديمقراطية لحسم الاستبداد في الدولة كما حسم الفاروق من قبلُ بآلية الدواوين الفوضى في الدولة

المصدر : الصفحة الشخصية للكاتب الليبي صلاح الشلوي

السراج يصدر تعليمات بزيادة رواتب المتقاعدين

وزارة التعليم تنفي نيتها اعتماد المنهج المصري بدل السنغافوري