in

ذاكرة الأجيال: فجر ليبيا ومحاولات تزييف الوعي

حملات لصفحات مزورة وممولة، وحرب مسعورة جنودها يتخفون من وراء جُدُر، رسالتهم تشويه وتزوير للشرفاء ومحتواها الكذب والافتراء. متسلحين بالعمالة وبالنذالة وضحاياهم الشعب الليبي بأكمله. وظيفتهم الأولى والأخير تمرير رسائل ملغومة؛ لخلق رأي عام تحريضي على قادة الرأي والعلماء والمخلصين.
جيش من الذباب الإلكتروني لا همَّ له إلا التشويه والكذب من أجل  دراهم معدودة، باعوا دينهم بشيء من الدنيا قليل.

ذاكرة الأجيال

لقد قطعت على نفسي وعدا، وما زلت عند هذا الوعد، وهو أن أنصب نفسي حارسا للشق الذي يليني من ذاكرة هذا الوطن الجمعية. وذلك بعدم السماح بترك رواية واحدة تسود الساحة، وبعدم السماح للمزورين بالعبث بالوعي وبالانفراد بكتابة تاريخ مزور لهذه الأجيال.

إنني مصرٌّ على وضع روايتي في مرمى نيران محركات البحث في شبكة الإنترنت، وبتركها ورقيا في المكتبات، حتى إذا انصرم عصر التضليل وجدت الأجيال من يعطيها كلاما يمكن محاكمته إلى مسلمات المنطق.

وقد أنجزت جزءًا من ذلك، وأعكف الآن على آخر بحمد الله وتوفيقه، وسيستمر المشوار إن كان في العمر بقية، وأعان الله على ذلك.

هذا هو سبب كتابتي لهذا المقال، وسيكون أيضا سببًا في مواصلتي لنهج وضع الرواية الصحيحة للأحداث إلى جانب الأباطيل التي يرويها المرجفون في المدينة، المتخفون من وراء جدر، المستخدمون للأموال والوسائل القذرة.

محاولات تزييف الوعي

لقد دأب إعلام تخريب الذاكرة، يقودهم #السفيه، على محاولة اغتيالي معنويا بأساليب كثيرة، وقد انتهجوا مؤخرًّا سُنة التلفيق في الأقوال، ونسبتها إلي، أو تحريف كلامي، وتقويلي ما لم أقله بأساليب خبيثة، معتمدين على صورة ذهنية يحاولون تثبيتها في أذهان قرائهم، ولهم أقول: مع الزمن رأينا، ممن تتوقعون أن افتراءاتكم قد انطلت عليهم، قد تبين لهم الرشد من الغي، وأنهم يميزون الغث من السمين.

صفحة مزورة تسرق عنوانا وشعارا لمؤسسة إعلامية معروفة، تنتحل اسم “شبكة الرائد الإعلامية”، عادت إلى عزف أسطوانة التشويه لعملية فجر ليبيا التي تتبع السلطة الشرعية في البلاد وكذلك تشويه قادتها، ويزعمون أنني قائدها والمخطط لها، وأنني أفتخر بذلك وهو شرف لا استحقه. مما أوجب التذكير بالحقائق والتوضيح.

الذكرى الرابعة لانطلاق عملية “فجر ليبيا”: تسلسل الأحداث

سأبين موقفي من عملية فجر ليبيا وعلاقتي بها، ولكن بعد التذكير بمحطات مهمة، ذلك أن التذكير بالحقائق أطول عمراً وأكثر إيلاماً للسفيه وربعه من الرد المباشر على سفهه، فهناك تسلسل للأحداث وصل ذروته مع انطلاق عملية فجر ليبيا، وكانت العملية نفسها واحدة من محطاته، مجرد واحدة من محطاته، وليس لها أي بعد تأسيسي فيه. هذا التسلسل يجب عدم القفز عليه عند تناول تاريخ اللحظة أو تحليلها. ماذا يقول هذا التسلسل؟ يقول هذا التسلسل:

1) إنه بعد سحب المؤتمر الوطني العام للبساط من تحت محاولات “الانقلابات المدنية” والاستجابة لمطالب فئة من الليبيين بتسليم السلطة والبدء في الاستعداد للانتخابات البرلمانية، ظهر في يوم 14 فبراير 2014 رجل بزي عسكري على قناة العربية وأعلن “استيلاء الجيش على السلطة، وتعليق العمل بالإعلان الدستوري، وأمر بجعل أعضاء المؤتمر أهدافًا مشروعة، وبدأ في إجراءات اعتقالهم”، وحاولت قناة العربية نفخ الروح في الانقلاب، ثم تلاشت تغطيتها بعد ساعات ثلاث.

2) في 16 شهر مايو 2014م بعد المحاولة المتلفزة، طلع علينا الضابط المتقاعد من جديد، بدون أي تخويل ولا غطاء شرعي، من الشرق الليبي وهو يعلن انطلاق “عملية الكرامة لمحاربة الإرهاب”، وتحت هذا الغطاء قام أيضاً بالتخلص من خصومه الذين يعترضون طريقه وشغفه إلى السلطة.

3) بعده بأيام، وتحديداً في 23 مايو 2014م، ومن مدينة طرابلس؛ ظهر بيان آخر يتلوه هذه المرة واحدة من قيادات كتائب متمركزة في العاصمة طرابلس وتسيطر على بعض المواقع الحيوية مثل مطار طرابلس، ومبنى الدعوة.. وهي تعطي المؤتمر الوطني المنتخب مهلة خمس ساعات لتسليم السلطة، ولم تذكر لمن؟ ولا أسبابا لهذا القرار العسكري الاستعجالي.

طبعا؛ يجب القول إن هدف تغطية الساعات الثلاث لقناة العربية، وإعلان عملية الكرامة، ومهلة الساعات الخمس هو خلق حالة من الارتباك وإثارة الهلع في العاصمة ما بين السكان، ودق نواقيس الخطر لدى المهتمين بأن البلد مقبلة على أكثر من مجرد انتقال للسلطة.

إلى هذه الأحداث نجد أن الإعلان المتلفز كان في الحقيقة محاولات استيلاء على السلطة بالقوة الخاطفة، وبعد ذلك تنفيذ الأجندات اللاحقة، فيما كان إعلان “الكرامة” وبيان الخمس ساعات قطعا لشريط الحرب الأهلية طويلة الأمد، وهو ما أوضحته الأحداث الجارية إلى اليوم؛ فالصراع السياسي الذي كان سائداً، وكان إلى حد ما مقبولاً، وقد يتسم ببعض الخصومة، قد حوّله هذا الضابط المتقاعد إلى نزاع دموي مسلّح يحرّكه العداء.

كانت هذه الأحداث تعكس بجلاء لا لبس فيه أن هناك إرادة خارجية للسيطرة على قرار ليبيا ومزيدا من ضياع السيادة وإلحاقها بإرادة إقليمية، وملء السجون، وإراقة الدماء وإعادة عقارب ساعة التاريخ إلى ما قبل ثورة السابع عشر من فبراير.

4) في الخامس والعشرين من شهر يونيو 2014م انتُخب مجلس النواب، وروج البعض فرية أن الأحزاب الإسلامية قد هُزمت في هذه الانتخابات فانقلبوا عليها، متناسين أن القانون رقم (10) بشأن انتخابات مجلس النواب نصَّ في مادته رقم (18) على اعتماد النظام الانتخابي الفردي ولم تجرِ على أساس القوائم أو الأحزاب.

5) بعد هذه الأحداث بهذا الترتيب، جاء إعلان اللواء عبدالسلام جاد الله العبيدي رئيس أركان الجيش الليبي  “عملية فجر ليبيا”، وهو الجيش الشرعي التابع للمؤتمر الوطني العام، والذي كان حينها السلطة الشرعية الوحيدة في البلد، بعد الكثير من محاولات التهدئة ومساعي المصالحة التي لم تنجح، لأن إرادة الطرف الأخر مرهونة للأجنبي.

6) عقد مجلس النواب أولى جلساته في 4 أغسطس 2014م في غير مكان انعقاده الدستوري والمنصوص عليه في مقترح فبراير، ولم يقم باستلام السلطة من المؤتمر الوطني العام بطريقة دستورية صحيحة.

7) في السادس من شهر نوفمبر 2014م وعلى إثر طعنٍ مقدم من عضوين؛ أحدهما عضو بالمؤتمر الوطني العام وآخر بمجلس النواب، للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، حكمت المحكمة بدوائرها مجتمعة بانعدام مجلس النواب وبطلان الجلسة الأولى لمجلس النواب وما بعدها من جلسات وكافة الآثار المترتبة على انتخابه.

ليس هذا فحسب بل إن المحكمة الاتحادية العليا بدولة الإمارات، والتي دكت بطيرانها في أغسطس 2014م قوات فجر ليبيا التابعة لرئاسة أركان الجيش الليبي نصرةً لعملية الكرامة، في ثلاثة أحكام منفصلة في سنة 2016م، أيدت شرعية المؤتمر الوطني العام وعملية “فجر ليبيا” التابعة له وذكرت في أحكامها الثلاثة: ” إن عملية فجر ليبيا عملية شرعية تابعة لرئاسة أركان الجيش الليبي تحت السلطة الشرعية الوحيدة الممثلة للشعب الليبي”.

الموقف من “عملية فجر ليبيا” – كانت عملية فجر ليبيا عملية عسكرية أطلقتها السلطة الشرعية في البلاد، والتي لا أحد ينازعها الشرعية يومئذ.
وأشرفت عليها قيادة أركان الجيش الليبي وكانت هي الوحيدة الموجودة في ذلك الوقت. – أُطلقت العملية بعد أسابيع من محاولات زعزعة الاستقرار وخلخلة عرى الدولة الليبية الضعيفة أصلا. – كنت من فريق المواطنين الذين وقفوا إلى جانب عملية فجر ليبيا، واعتبرتُها عملية للدفاع عن السلطة الشرعية في البلد. – استمر انقسام الليبيين وظهر بشكل حاد جدا، وأصبحت الفجر والكرامة عنوانا لهذا الانقسام، مما ساهم في دعمي للحوار التي كانت تقوده البعثة الأممية بحثا عن نهاية لهذا الانقسام.

انحيازي العلني والواضح هو انحياز ومناصرة لشرعية المؤتمر الوطني العام ولقوات “فجر ليبيا” التابعة لرئاسة أركان الجيش الليبي ووقوفي ضد انقلاب الكرامة وبيان الخمس ساعات والكتائب التي أعلنته، كان موقفًا في مساحات عملي السياسي وفي مساحاتي الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومواقفي تلك لا تعني بحال أنني على علاقة شخصية مع قادات “فجر ليبيا” كالعقيد صلاح بادي الذي لم أقابله في حياتي إلا مرتين لقاء لم يتخطَّ ثوانيَ السلام، ولا غيره من القادة الذين سمعت عن شجاعتهم وإقدامهم.

بل إن موقفي من عملية “فجر ليبيا” ككل لا يعني أنني على توافق مع قاداتها في كل آرائهم ومواقفهم فالعملية أكبر من أن يُنحاز لها من أجل أشخاص، وهذا يعني، من باب أولى، أنني لم أكن جزءًا من عملية “فجر ليبيا” لا إعدادًا ولا تنفيذًا.
بعد تركي العمل السياسي في المجلس الوطني الانتقالي، لم أترك مواقفي بوصفي ليبيًّا غيورًا وحريصًا على مصلحة بلاده؛ ليبيًّا مقتنعًا أن القوة الانقلابية التي تمثلها عملية الكرامة لن تكسرها إلا قوة مضادة تمتلك نفس الأدوات. كان موقفي مثل موقف ليبيين كثر في ذلك الوقت، عبروا بالرمز والتصريح عن وقوفهم مع هذا المعسكر أو ذاك.

الكاتب: عبدالرزاق العرادي

السراج يطالب “الكهرباء” بحل جذري لمشكلة طرح الأحمال وتوزيعها بالتساوي

دع طفلك يركض حافيا تتطور مهاراته