in

للشعب الليبي: ” Enjoy your home”

كم هو مؤلمٌ حال هذا الشعب الذي بعد أن ثار ضد الإستبداد، وقدم قوافل من المضرجين بدمهم، وأدخلهُ الساسة في حروبٍ بعلمه وبدون علمه حتى أثخنوا في سفك دمه.

تراهُ اليوم وهو لا يقوى حتى على قول “لا” في وجه مستبديهِ الجدد الذين حولوا أسطورة وملحمة بطولاته إلى دراما انكساراتٍ وعذاباتٍ وألم.

من يصدق أنه ذات الشعب الذي تخشى الأعاصيرُ هبّتهُ، ويخسأ الظلم فلا يميط عن وجهه اللثام كي لا تسحقهُ نظرتهُ الأبية، لتراهُ اليوم جثةً هامدةً يمنعونه رغيف الخبز، ويجلدونه بسياط الذل فيبتلع صرخات الألم وينزف الدماء مستسلمًا للقدر.

يعبثُ الساسة بوطنه، ويعبث خازن ماله بأمواله وهو يتفرج منكسرًا على سفينته التي توشك على الغرق ولا يقوى حتى على سد الثلمات ولا على الرفض ولو بالكلمات أو الإيماءات.

فمنذ أن تحولت صولاته إلى بياناتٍ تلو البيانات الممهورة بالتواقيع والمزركشة بالأختام، أدرك الساسةُ أن الأسد تحول إلى أصله الطبيعي “هرٌّ منزليٌّ ناعم” لا يجيد سوى كثر النوم والتمسح على سيقان مطعميه، قاصرًا على مجرد اصطياد فأرٍ يتمختر حوله في الدار، كيف لا وحتى الزئير تحول إلى مواء.

شعبنا اليوم أدمن حُقن الخطابات المتناقضة، والبيانات والاستنكارات، وتلقي التبريكات ممن يتقاسمون وطنه ودمهُ، إما بالسنة الجديدة أو بحلول رمضان أو بالأعياد الدينية أو الوطنية، ومن عيدٍ لعيدٍ وتهنئةٍ لأخرى يظل هذا الشعب غارقًا في متاهات اللاعودة.

صار هذا الشعبُ قمةً في التسامح، ليس مع ذاته، فهو مثخنٌ بالجراحات في ذاته، إنما بالتسامح مع من كذبوا عليه مرارًا، ولازالوا، ومع من سرقوا مقدراته، حتى بات يقصر عن رغيف خبزه، فحولوه إلى مجرد معادلات رقمية هزيلة، متناثرةً حول محطة بنزين أو بنك، أو مخبزٍ، أو مركز توزيع غاز، أو  أو أو …… شعبٌ امتهن التسول بعد أن أعطى أكبر درسٍ للدنيا في ملاحم افتكاك الوطن والتحوّل.

شعبٌ اليوم كأنما أحيل للتقاعد، يسمع الخطب السياسية وما أكثرها، ويبتلعها بتناقضاتها، ويرى لصوصه يتنططون من حوله ويكتفي بالمراقبة بل وبالتثاؤب.

حولوا له دِينَهُ إلى أديان، فصار منهمكًا في تفاصيل التفاصيل، يتدارس أي فرقةٍ هي التي يجب عليه أن يتبعها ليرضى عنه ربهُ، وأي شيخٍ هو الذي يجب أن يتعلق بلحيته ليدخل الجنة، رغم أن الجميع يقرؤون ذات المصحف، ويسترشدون بذات الأحاديث، لكنهم يقطعون الرؤوس أحيانًا بشبهة اختلافات المنهج الممنهج وكلٌّ ينسب لله ما يتماشى وهواه.

تحول هذا الشعب بعد أن أنهكته حروب الارتزاق التي ألبهُ فيها ساسته إزاء بعضه، تحول إلى مرتزقةٍ سياسيين ومرتزقة دينيين، ومرتزقة نفعيين يمارسون التجارة في أحطِّ صورها، حتى إن الدولارات في هذا الوطن يمنحها خازن بنكه غير الأمين، لتعود للشعب المسكين، في صناديق كبيرة عبر البحر، مملوءةٍ بالتراب والأحجار، أو فارغةً حتى من الهواء الصالح للتنفس، فيا للعار.

شعبٌ هرَّب جميع سلعه الحياتية خارج الحدود، ولم ولن يكترث، أهانوه في طوابير ولم يكترث، سرقوا رغيفه كمًّا ووزنًا وسعرًا ولم يكترث، هربوا مقدراته النفطية عبر البر والبحر ولم يكترث، أوغلوا في سرقته عبر الاعتمادات ولم يكترث، امتهنوه في لقمة عيشه، وفِي مصباح كهرباء بيته، وفِي حبة دوائه وجرعة تحصين أطفاله، ولم يكترث، أمعنوا في إذلاله في صراعاتهم السمجة واقتسامهم لجسد وطنه الممزق ولا حول ولا قوة له.

شعبٌ بات اليوم يقتل بعضه بعضا باسم الإرهاب بينما أدخلوا إليه الإرهاب الحقيقي ليَفْتِك به، فاللص يكبر، والإرهابي يكبّر، والسياسي يكبّر، والإعلامي يكبر، والتاجر يكبر، ولا تعرف وراء أي تكبيرةٍ تصطف!

شعبٌ رأى القبلية في أبشع صورها، ورأى الأحزاب السياسية في أنكى صورها، ورأى الوجه القبيح لآلة الإعلام في أدنى صورها، ورأى الحروب حول الغنيمة في أدمى صورها، ورأى الشتات والضياع والقهر والعذابات، شعبٌ تزاحمت السكاكين على خاصرته حتى لم يعد يعرف من الذي لم يخنه، وكم مرةً عليه أن يثأر لكرامته، وممن؟.

فمن يصدق أن شعب ال 2011 هو ذاته شعب ال 2018 ، عن نفسي لم أعد أحتفي كثيرًا بالأحجيات ولا تغريني الإجابات، مادام هذا الشعب انتقل إلى حب التسلية ليقتل الوقت، بعد أن قتلوه، وقتلوا فيه كل ما قد يجعله يصحوا من غفلته، لينقذ ما تبقى من وطنٍ لا يستحق الخذلان، بعد أن أعطاهُ الشجعان أرواحًا ودماءً وتضحيات.

وطنٌ تحول إلى جبّانتين، واحدةٌ للأحياء، والأخرى للأموات.

اليوم وبعد كل هذه الدراما، لا يسع ساسته إلا أن يقولوا له في سخريةٍ مستحقةٍ وتهكمٍ يليق به : أيها الشعب العظيم.

ملاحظة: هذا المقال يمثل وجهة نظر الكاتب فحسب.

إعادة افتتاح الخط البري السريع بين سرت وطرابلس

“أمن طرابلس” تدعو إلى اجتماع لمناقشة استمرار حضور الجمهور للمباريات