in

الثقة السياسية ممكن أم مستحيل؟

علي أبوزيد/ كاتب ليبي

من السمات الأبرز لتعرقل العملية السياسية في ليبيا، وتعطل كل مبادرات الحلحلة والدفع للإمام غياب الثقة في هذه العملية، وقد حاول المتحاورون في اتفاق الصخيرات تلافي هذه القضية والتخفيف منها من خلال بعض إجراءات بناء الثقة التي لم ينفذ منها شيء يذكر إلى الآن، بل تفاقم غيابها وزاد.  وقبل أن نتكلم على أسباب انعدام الثقة وضعفها يجب أن نحدد مفهوم واضح للثقة في العمل السياسي، فمن غير المنطقي الاعتقاد أن المقصود بالثقة هو إقامة علاقة بين الأطراف والتوجهات السياسية المختلفة في المصالح والمتباينة في المرجعيات على أساس من الموثوقية المطلقة، فإن عنصر المنافسة الذي يعتبر أساس العلاقة السياسية بين هذه الأطراف يستبعد وجود مثل هذه الثقة.

إن الثقة المطلوبة في العلاقة السياسية بين أطراف العمل السياسي يجب أن تكون في عملية المنافسة نفسها، فمتى كانت المنافسة السياسية محكومة بقواعد ثابتة من خلال دستور وقوانين تنظم العمل السياسي والعلاقة بين السلطات، ومنضبطة بسلوك سياسي بعيد عن المغالبة والإقصاء ومرن بما يمكن الجميع العمل بفاعلية في مختلف الأدوار السياسية سواء في السلطة أو المعارضة، ويلتزم بهذا كافة المنافسين، حينها تتولد الثقة في العملية السياسية وتَنْتُج حالةٌ من الاستقرار والثبات، ويمكن بذلك خلق فرص لبناء مؤسسات قادرة على استدامة حالة الاستقرار السياسي.

قد يرى الكثير أن إيجاد حالة من الثقة بهذه الكيفية أمر صعب وبعيد الإمكان، وعلى ما في هذه الرؤية من تشاؤم إلا أنها على قدر كبير من الواقعية، وإذا أردنا تلمس أسباب غياب هذه الثقة من العمل السياسي اليوم يمكن إرجاعها إلى أسباب مختلفة بعضها يتعلق بالنظام السابق الذي ألغى الدستور، وقضى على الحياة السياسية، وخلّف كياناً شبيهاً بالدولة إلا أنه بلا مؤسسات قادرة على الحفاظ على الحد الأدنى منها، مما سمح لكيانات وأجسام أخرى بالتمدد في الفراغ الذي خلفته من أبرز هذه الأجسام القبيلة.

وهناك أسباب ترجع إلى ما بعد فبراير من أهمها: عدم النضج السياسي لأغلب الفاعلين السياسيين، إضافة إلى اشتعال الصراع السياسي مبكراً دون الاحتكام إلى دستور وقوانين قادرة على التفاعل مع البيئة السياسية المضطربة، مع العجز في مؤسسات الدولة المستحدثة على القيام بأدوارها، إضافة إلى الخطاب الإعلامي المحرّض وانتهاج المسلك الإقصائي مبكراً واستدعاء الخطاب الديني بشكل مربك، وإقحام القبيلة، والاستقواء بالقوة العسكرية، كل ذلك ولّد حالة من الفوضى العارمة، وكرّس لحالة من انعدام الثقة المتفاقمة، وحتى بعد جلوس أطراف الصراع السياسي على طاولة الحوار لم يتمكنوا من تجاوز حالة انعدام الثقة هذه، بل إن التأثير السلبي للأطراف الإقليمية على الأطراف السياسية الليبية جعل من المجتمع الدولي ضامناً ضعيفاً وربما عاجزاً عن وضع اتفاق الصخيرات موضع التنفيذ.

وهنا يستوقفنا تساؤل عن إمكانية إيجاد حالة من الثقة في الوضع الحالي ومن القادر على إيجادها؟ بلا شك أن إيجادها مع ما فيه من صعوبة ممكن إلا أنه يحتاج إلى وقت ليس بالقصير، والمعوّل عليهم في خلق حالة الثقة هذه هم الفاعلون على الهامش السياسي من مثقفين ونخب وإعلاميين ونشطاء مدنيين، من خلال تعاطيهم العقلاني والموضوعي للشأن السياسي والبعد عن خطاب الإقصاء والتحريض، وخلق حالة من الوعي والنضج في الخطاب السياسي تتوغل إلى عمق الممارسة السياسية وتنعكس على الأداء السياسي للفاعلين داخل هذا العمق، إن الدور الحقيقي للفاعلين على الهامش السياسي هو تأطيره سلوكياً والضغط المستمر لخلق حالة الثقة في العملية السياسية والحفاظ عليها من خلال التفاعل مع ما يحدث في عمق العملية السياسية، أما التعامل من خلال ردّات الفعل أو بالإيعاز من مركز العملية السياسية سيبقينا في هذه الحلقة المفرغة من انعدام الثقة والتي لا زالت تتسع نتيجة التآكل المستمر للحياة السياسية وكيان الدولة.

إن بقاء هذه الفواعل الهامشية بدورها الباهت الذي تمارسه اليوم والمقتصر على البيانات والملتقيات فقط لن يجعل منها إلا بوابة لدخول بعض المستفيدين للعمق السياسي، وممرّاً تمرر من خلال مشاريع سياسية ذات مصالح ضيقة، ولن يكون لها أي دور آخر ما لم تسعَ بشكل جاد لإعادة تشكيل الوعي السياسي بما يتناسب مع مصلحة القضية الوطنية.

قوة حماية سرت تؤمّن مشجعي الأهلي بنغازي أثناء عودتهم لمدينتهم

إدارة المحافظات مستمرة في تجهيز مقر مجلس بني وليد البلدي