in

خطاب التيار الوطني.. تيه المفهوم وضبابية الرؤية

الندوة التي نظمتها قناة 218 نيوز بعنوان “التيار الوطني الليبي الماضي الحاضر المستقبل” عكست جزءاً من واقع كثير من الفاعلين في الشأن العام، وأبانت عن المنطلقات والدوافع العامة للممارسة السياسية لديهم، وأعادت رسم الخطوط العريضة لخطاب هذه الشريحة من الفاعلين، والتي يجب الوقوف عندها ومحاولة قراءتها.

وقبل حديثي عن أهم ملامح هذه الندوة –كأحد متابعيها- لابدّ من وضع السياق الزمني الذي تأتي ضمنه في الاعتبار، إذ إن كثيراً ممن يحسبون أنفسهم على القوى المدنية أو الوطنية تراجع دورهم تدريجياً بعد تأييدهم لعملية الكرامة، خاصة وأن هذه الأخيرة –الكرامة- أصبحت تعوّل على الخطاب القَبَلي، والخطاب السلفي المدخلي على حساب ما يعرف بالتيار الوطني أو المدني، الذي لحقه شيء من قمع قوات الكرامة، وأصبح مضيّقاً عليه خاصة من مليشيات المداخلة التي تراه تياراً علمانياً مرفوضاً تشنّع عليه في المنابر، وفي سياق الحديث عن انتخابات مرتقبة وجد هذا التيار نفسه على الهامش ويعاني حالةً من التشرذم والشتات، لذلك فإن مثل هذه الندوة –وقبلها فعاليات أخرى- تأتي ضمن محاولة إعادته إلى بقعة الضوء وإعادة صياغة خطابه بما يمكن أن يسهم في لملمة البعثرة والتشظي الحاصلة فيه.

يعتبر الخطاب في العملية السياسية أهم ركائزها، حيث من خلاله يمكن إدراك المنطلقات الفكرية لأي جماعة أو تيار سياسي، كذلك نستطيع من خلاله معرفة الإطار العام لتوجهات ومشاريع هذا التيار أو ذاك، وكما يعتبر الأداة الأبرز التي من خلالها يتم تكوين القاعدة الشعبية له وبناء كيانه داخل المجتمع، وفي محاولة تلمّس ملامح الخطاب السياسي لما يعرف بالتيار الوطني أو المدني لن نخرج إلا بعموميات يتفق عليها كل المنخرطين في العمل السياسي مِن إقامة دولة مدنية ديمقراطية تحترم الحريات وحقوق الإنسان، وتتداول سلمياً على السلطة، دولة مؤسسات يحكمها الدستور والقانون، أيضاً يلاحظ الراصد لهذا الخطاب انعدام التحرير الواضح لمفهوم الوطنية أو المدنية في أبجديات هذا الخطاب، بل هناك اعتراف واضح بوجود لبس وضبابية فيها مما قد يجعلها تندرج ضمن خطاب الدعاية والمزايدات ليس إلّا.

هذا هو الملمح الأبرز في هذا الخطاب، وحتى يكون ما يعرف بالتيار الوطني أو المدني هو الخيار الوحيد والوكيل الحصري لإقامة الدولة المدنية المنشودة؛ فإنه لا يملك من الأدوات والآليات في خطابه إلا أن يشيطن التيار الوحيد المنافس له في الساحة السياسية، وهو تيار الإسلام السياسي، فنجد أن هذا الخطاب لا يتوانى في تحميل تيار الإسلام السياسي كل الإخفاقات والفشل والانتكاسات التي مرّ بها الوطن بعد ثورة فبراير وإلصاق تهم التطرف والإرهاب بكل أطيافه، وهذا بلا شكّ تجنٍّ وجور، فالكل أخطأ في المرحلة السابقة وكانت له سقطات، وشمّاعة الإرهاب أصبحت أسطوانة مشروخة أثبت زيفها أداء طيف واسع من الإسلاميين واندماجهم في منظومة العمل المدني والسياسي، وإن كان تيار الإسلام السياسي هو الأبعد عن استدعاء العسكر إلى السلطة.

وبذكر العسكر فإنه لابدّ من الإشارة إلى أن خطاب ما يعرف بالتيار الوطني أو المدني يتحاشى الحديث عن خطورة وصول العسكر إلى السلطة، كما أنه لم يتعرض ضمن قراءته للمشهد إلى خطورة تغوّل المؤسسة العسكرية وممارستها لإرهاب الدولة على المواطن بذريعة الضرورة الأمنية، وهذا الموقف المُهادن للعسكر يدلّ على عقلية هذا التيار المستعدة دائماً لاستدعاء العسكر إلى السلطة والقضاء على الحياة السياسية والمدنية متى ما رجحت الكفة لتيار الإسلام السياسي، لذلك فإن خطاب هذا التيار يغيب عنه مفهوم القبول بالمشاركة في العمل السياسي القائمة على التنافس والاحتكام إلى الصندوق، ويُبقِي أبوابه الخلفية مفتوحة على العسكر دائماً.

وهناك ملحظ مهم آخر في خطاب هذا التيار، وهو عدم تضمن رؤيته إلى إيجاد صيغة توافق بين كافة أطراف النزاع الليبي بناءً على اتفاق الصخيرات، وهو ما يطرح علامات الاستفهام حول رؤيته إلى كيفية الوصول إلى حالة من الاستقرار يمكن من خلالها إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.

وبهذا تبقى السمة الأبرز في خطاب ما يعرف بالتيار الوطني أو المدني هي تقديم نفسه كبديل وحيد وحصري عن تيار الإسلام السياسي، دون وجود مرجعية واضحة لهذا الخطاب تجعل منه تياراً واضح الملامح، وليس مجمعاً لشتات الفكر وخبش الرؤية، تجمعه مناوأة الإسلام السياسي، وتفرقه المصالح والسعي إلى السلطة، كما أنه برز في حالة قصور عن إعادة صياغة خطابه بما يتماشى مع خلق مناخ سياسي إيجابي يتعاطى مع الأحداث بواقعية وقادر على تشارك الميدان السياسي مع منافسيه بناءً على قواعد الديمقراطية والتنافس السياسي بعيداً عن المغالبة والإقصاء.

____

المصدر/ موقع ليبيا الخبر

ليبيا للإعلام: سنلاحق قناة ليبيا “روحها الوطن” قانونيا

ترحيب دولي بجهود ليبيا في إعادة قرابة 20 ألف مهاجر