in

مستقبل الاقتصاد الليبي … نحو إيجاد رؤية لتجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية والشروع في بناء الدولة.

قضايا مسكوت عنها:

مستقبل الاقتصاد الليبي … نحو إيجاد رؤية لتجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية والشروع في بناء الدولة.

استحقاقات مرحلة الاستقرار أو ما يعرف بمرحلة ما بعد النزاع ، Post conflict ، وهي المرحلة التي يبدو أن السياسيين والاقتصاديين لا يولونها الاهتمام الكافي حاليا، ولا تشغل جزءا من تفكيرهم، ربما يكون مبعث ذلك انشغالهم بهموم المرحلة الحالية التي تتسم بتعدد الأزمات وتنوعها وتجددها من وقت لآخر، غير أنه لا يبدو أن السلطات القائمة حاليا ( التشريعية والتنفيذية ) بما في ذلك حكومة الوفاق والحكومة الموقتة، جادة بالفعل في معالجة الأزمات التي نشهدها اليوم، حيث لم تشهد أية أزمة قدرا من الانفراج، ولا توجد مؤشرات توحي بإمكانية حلحلة هذه الأزمات؛ مما يعنى أن هذه الأزمات سيجري ترحيلها، وأن هذه السلطات قد فشلت في السيطرة على النزاعات الحالية، وما أفضت إليه من أزمات اقتصادية واجتماعية في ظل الانقسام السياسي.

ولعل أخطر ما يتهدد الأوضاع الاقتصادية والمالية هو عدم استقرار معدلات إنتاج النفط الخام، وتراجع مستويات الإنتاج إلى أقل من 700 ألف برميل يوميا بعد بلوغ الإنتاج حدود المليون برميل؛ بسبب إقفال حقلي الفيل والشرارة مؤخرا من قبل مجموعات مسلحة وإعلان حالة القوة القاهرة في الحقلين، مما يعرض كلَّ ما اقتُرح من حلول وسياسات اقتصادية وما يعتزم تنفيذه منها، لمزيد من التأخير، واللجوء إلى اتخاذ تدابير قد تزيد المشهد الاقتصادي تأزما.

وخلال عام 2017 يقدّر إجمالي مصروفات الميزانية العامة بما يُعادل 27 مليار دولار سنويا، في حين يبلغ إجمالي الدخل 18 مليار دولار، وهذا يعنى أن العجز السنوي يقدر بـ 9 مليارات دولار، وهذا العجز قابل للزيادة نتيجة للمستجدات في إنتاج وتصدير النفط الخام.

ويبدو أن هذه السلطات (التشريعية والتنفيذية ) غير معنية بالتفكير في المستقبل الذى ينتظر الليبيين، وفى تقديري أن استحقاقات المرحلة المقبلة التي ستواجهها السلطات الجديدة، أثناء المرحلة الانتقالية الجديدة، هي التي ستشكل التحدي الحقيقي أمام هذه السلطات وأمام الشعب الليبي، ولن تكون الفترة المقبلة مجرد نزهة يستمتع فيها الحكام الجدد بمناصبهم، بل ستكون محرقة بكل المقاييس ومحكًّا حقيقيًّا لمن يقدّر المسؤولية حق قدرها، واختبار صعب للدخلاء غير المؤهلين، دون التقليل من قدرات الخبرات الليبية المخلصة، إذ ستكون التركة مثقلة بالالتزامات، هذا فضلا عن أن الاقتصاد الوطني لن يتحمل المزيد من الأزمات، وسوف يكون سقف توقعات الشعب مرتفعا جدا.

المهمة ستكون صعبة ولكنها ليست مستحيلة، فالذي يتولى مسؤولية المالية العامة سيجد خزانة فارغة إلا من سندات الدين العام، وسيواجه التزامات مالية جديدة في إطار إعادة تتبيت الخدمات العامة ( التعليم والصحة والأمن )، واضطلاع الدولة بمسؤولياتها في المحافظة على الاستدامة المالية، وعليه العمل على تنمية الموارد السيادية غير النفطية، ومعالجة أساسات الاقتصاد الكلّي، وعليه تصحيح التشوهات في هيكل الميزانية العامة، ومراجعة بند المرتبات، وإزالة الازدواجية بها، واستبعاد من يجب استبعاده، والتعامل مع مشكلة البطالة، وقفل الحساب الختامي للدولة .

وستكون السلطة النقدية معنية بمعالجة الاضطرابات في المستوى العام للأسعار، ومتطلبات إدارة الاحتياطيات في مواجهة قدر كبير من الالتزامات الواجب الإيفاء بها، وستواجه تحديا كبيرا في إدارة سعر الصرف، وضبط المعروض النقدي المتفلت، وتحقيق استقرار قيمة الدينار الليبي، وإعادة الثقة لقطاع مصرفي تكاد تكون فيه وظيفة الوساطة المالية معطلة بسبب التشريعات النافذة، ويعمل في ظل مخاطر تشغيلية كبيرة.

وسيواجه من سيتولى إدارة أمور قطاع الاقتصاد مسؤولية تحفيز القطاع الخاص، وتنشيط الحركة الاقتصادية وتنظيمها، والتعامل مع اقتصاد تسوده التشوهات، وفوضى في الأسعار وفى تأسيس الكيانات الاقتصادية، واقتصاد يسيطر فيه القطاع غير الرسمي على ما لا يقل عن 80% من النشاط، ويعاني من خلل كبير في الميزان التجاري، فضلا عن مختلف مظاهر الفساد المستشري على كافة المستويات.

كما أن الظروف المحيطة بالسلطة التشريعية، في ظل الفراغ الدستوري وتعقيد آلية إصدار القوانين، لن تسعفها في إصدار القوانين اللازمة التي تحتاج إليها السلطة التنفيذية الجديدة للقيام بمهامها بالسرعة المطلوبة، فضلا عن الأوضاع الأمنية المتردية، وانتشار السلاح خارج سلطة الجهات القانونية، هذا هو حصاد المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد، ناهيك عن تمزق النسيج الاجتماعي، ومشاكل الشباب، والظواهر السلبية المنتشرة، واستحقاقات المصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية.

قد يرى البعض أن الأجدى هو الاهتمام بمعالجة المشاكل القائمة حاليا (عجز الميزانية، وعجز الميزان التجاري، والتضخم، والسيولة، وتدني دخل النفط، وانقسام المؤسسات السيادية، والسوق الموازية، وتدهور الأوضاع الأمنية، وانقطاع الكهرباء، ومشاكل إصحاح البيئة، والفساد … إلخ)، والبحث عن حلول للأزمات التي يعانى منها المواطن اليوم، وَلْنترك مناقشة المشاكل المستقبلية إلى حينها، غير أن التفكير الاستشرافي المنطقي، والعمل الحقيقي الذى يهدف لبناء الدولة لا بد أن ينظر إلى الأمام وإلى المستقبل، وأن ينطلق من الواقع الحالي وعينُه على المستقبل، فبقدر ما تكون عليه الأوضاع اليوم يتشكل مستقبل الاقتصاد والتحديات التي سيواجهها الوطن، أي أنه لا يمكن فصل المستقبل عن الحاضر، وهناك بعض السياسات إذا ما اتُّخذت اليوم ستكون لها تداعيات على كافة المتغيرات الاقتصادية في المستقبل، إذ من المتوقع ترحيل معظم المشاكل القائمة حاليا إن لم يكن كلها إلى مرحلة ما بعد النزاعات، في ظل العجز شبه التام في كل المؤسسات اليوم عن التعامل مع هذه المشاكل، مما ينبئ بظروف اقتصادية صعبة، وبمستقبل غير مريح للمسؤولين الجدد، وستكون التضحيات المطلوبة من المواطنين كبيرة على قدر سقف التوقعات في سبيل العبور إلى بر الأمان.

ما هي التحديات التي ستواجه الاقتصاد الليبي مستقبلاً؟

1- يقدّر مجموع الدين العام واجب السداد بنحو 70 مليار دينار، وهذا الدين هو مجموع ما رتبته وزارتا المالية في حكومة الوفاق والحكومة المؤقتة بنهاية الربع الثالث من هذه السنة المالية (2017) ومنذ عام 2014.

هذا الدين يعادل نحو 50 مليار دولار بسعر الصرف الحالي، ولسداد هذا الدين نحتاج إلى إنتاج نفطي بمعدل مليون برميل يوميا لمدة ثلاث سنوات متتالية، وبسعر لا يقل عن 50 دولارا للبرميل، غير أن هناك التزامات أخرى على الحكومة الوفاء بها خلال المدة ذاتها، ومنها المرتبات والمصروفات التسييرية وغيرها من الالتزامات الأخرى، وإذا استمر نمط الإنفاق العام على ما هو عليه الآن، فلن يكون في مقدرة الحكومة تسديد الدين العام في المدى الزمنى المنظور القريب ما لم تتضاعف معدلات إنتاج النفط أو ترتفع أسعاره إلى مستوى لا يقل عن 100 دولار للبرميل.

2- من المتوقع أن تقدر ديون الشركات الأجنبية المنفذة لمشروعات التنمية المتوقفة حاليا بحوالي 70 مليار دولار، أي حوالى 100 مليار دينار وفقا لسعر الصرف الحالي، ويحتاج سداد هذه الديون إلى إنتاج نفطي لمدة أربع سنوات متتالية، بمعدل مليون برميل في اليوم، وبسعر لا يقل عن 50 دولارا للبرميل .

ولكن هناك التزامات أخرى على الحكومة الوفاء بها في إطار تنفيذ الميزانية العامة للدولة التي تُموّل بنسبة 95 % على الأقل من إيرادات النفط.

أي أن إجمالي الالتزامات واجبة السداد على الخزانة العامة، تقدّر بـ 120 مليار دولار في الحد الأدنى، أي ما يعادل مجموع إنتاج النفط سبع سنوات متتالية بمعدل مليون برميل يوميا، وبسعر لا يقل عن 50 دولارا للبرميل.

على السلطة التشريعية والحكومة التفكير في كيفية التعامل مع هذا الملف، وتحديد الأولويات بين تمويل الميزانية العامة السنوية، وبين سداد الالتزامات القائمة على الخزانة العامة.

3-أما الالتزامات التي ستواجهها الحكومة في إطار تنفيذ الميزانية العامة للدولة المقدّرة بنحو 40 مليار دينار سنويا، وفقا لمعدلات الإنفاق القائمة حاليا، فتحتاج إلى نحو 30 مليار دولار سنويا، وتحقيق هذا الدخل يتطلب إنتاجا نفطيا لا يقل عن 1.6 مليون برميل يوميا بسعر 50 دولارا للبرميل.

4- يحتاج القطاع الخاص لموازنات بالنقد الأجنبي لمختلف الأغراض (اعتمادات ، حوالات ، بطاقات … إلخ ) بنحو 13 مليار دولار سنويا.

5- ستواجه المصارف التجارية العاملة مشكلة تسوية خطابات الضمان التي أصدرتها لصالح الجهات العامة الليبية التي تعاقدت على تنفيذ مشروعات التنمية قبل عام 2011 ، بناء على طلب الشركات الأجنبية المنفذة للمشروعات، والتي تقدر قيمتها بما لا يقل عن 20 مليار دينار بعد أن تحصلت هذه الشركات على أحكام قضائية لصالح المصارف الأجنبية المراسلة بالخارج تمكنها من عدم دفع قيمة هذه الضمانات في حال طلب تسييلها.

من الواضح أن الدولة ستواجه عجزا مستمرا ومتناميا لعدة سنوات مقبلة في ظل معدلات إنتاج النفط الحالية غير المستقرة، وأسعار النفط العالمية المتدنية ، ما دام النفط المصدر الوحيد للدخل، وفى حال الإبقاء على سعر صرف الدينار الليبي المعمول به، حيث يقدر متوسط الإنفاق السنوي بالنقد الأجنبي المتوقع لمواجهة هذه الالتزامات بنحو 77 مليار دولار سنويا، ويتطلب ذلك إنتاج نفط بمعدل 2.5 مليون برميل يوميا، بسعر لا يقل عن 85 دولارا للبرميل .

أما إذا جرى تأجيل ملف مديونية الشركات الأجنبية، وتأجيل سداد الدين العام المحلى أو الحصول على موارد محلية لتمويله من القطاع المصرفي والجمهور، فإن الإيفاء بمتطلبات تمويل الميزانية العامة للدولة وتوفير احتياجات القطاع الخاص من النقد الأجنبي، يتطلب الوصول بإنتاج النفط إلى نحو 2 مليون برميل في اليوم، بسعر لا يقل عن 60 دولارا للبرميل، ويمكن تحقيق ذلك من خلال دعم المؤسسة الوطنية للنفط، ورصد الميزانيات الاستثمارية اللازمة لها، في حال استمرار العمل بسعر الصرف الحالي.

قد يرى البعض الرجوع على احتياطيات النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي لمواجهة هذه الالتزامات؛ لأن هذه الاحتياطيات وجدت لهذا الغرض، وهنا ينبغي أن لا يغيب عن هؤلاء أن هذه الاحتياطيات التي حرص مصرف ليبيا المركزي على المحافظة عليها جزءٌ مهم منها محتفَظ به كغطاء للعملة الليبية المُصدَرة، وأن استعمال ما تبقى من احتياطيات حرة في ظل أنماط الإنفاق العام القائمة حاليا ومعدلات إنتاج وتصدير النفط الخام المتدنية وغير المستقرة ، وفى ظل أسعار صرف الدينار الليبي المعمول بها اليوم ـ كفيلٌ باستنفاد هذه الاحتياطيات خلال سنتين كحد أقصى، مما يعرض الاقتصاد لانهيار كامل، ويجعل الدولة عاجزة عن سداد المرتبات وتوفير احتياجات القطاع الخاص من النقد الأجنبي، وهو الوضع الذى يعمل المصرف على تفاديه، ناهيك عن تسديد الدين العام ومستحقات الشركات الأجنبية، ولن يكون هناك مجال للحديث عن أي مشروعات تنموية جديدة أو حتى إمكانية استكمال المشروعات المتوقفة حاليا.

باختصار شديد فإن أسلوب إدارة الدولة الحالي من خلال حكومتين لا تعترف إحداهما بالأخرى، وكل منهما يُرتّب التزامات مالية ودينا عاما محليا، إضافة إلى وجود مصرفين مركزيين، وسلطة تشريعية منقسمة على نفسها، وغير قادرة على اتخاد القرارات الحاسمة لإنقاذ البلاد من الانزلاق نحو الهاوية، قد رتب أوضاعا ستفضي إلى وضع اقتصادي متأزم في المستقبل تعجز في ظله الحكومة، مهما كانت إمكانات القائمين عليها، عن الإيفاء بالتزاماتها، وتعرّض الدولة للإفلاس.

فالوضع جدُّ خطير، ولا يحتمل الانتظار أو التأخير، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أرى أنه على السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب، وبالتنسيق مع المجلس الرئاسي، وبصورة عاجلة، أي قبل نهاية هذه السنة، تجاوز كل الخلافات، واتخاد جملة من القرارات الحاسمة والجريئة ووضعها موضع التنفيذ، قبل بدء المرحلة الانتقالية الجديدة.

وفى تصوري يجب أن تتضمن هذه القرارات ما يلي:

  1. توحيد جهة الإنفاق العام بحيث تكون من مسؤولية وزارة المالية التي تتلقى الإيرادات النفطية وتدير حساباتها، ويشمل ذلك المرتبات لكافة القطاعات، ومصروفات الباب الثاني، والدعم والمستلزمات الطبية والأدوية، وما يعرف بمصروفات التنمية التي تتضمن منح الطلبة الدارسين في الخارج ـ بصرف النظر عن تبعيتها، وتجاوز كافة الخلافات السياسية المرتبطة بهذا الموضوع، ووضع المصلحة العليا للدولة فوق كل اعتبار، والسماح للمسؤولين والفنيين في وزارة المالية بوضع الترتيبات المناسبة واللازمة لتحقيق هذا التوجه ووضعه موضع التنفيذ.

طالما كانت المبالغ التي يجري إنفاقها مصدرُها إيرادات النفط التي هي حق لكل الليبيين، فإن صرفها من قبل أي جهة في الأغراض المحددة لها لا يعتبر منّة من أحد، ولا فظل لتلك الجهة على غيرها، ولا يجوز حرمان أي جهة ليبية من الاستفادة منها في إطار القانون مهما بلغ الخلاف السياسي، فالنفط ملك لكل الليبيين، ولا يجوز حرمان أي إقليم أو منطقة من مناطق ليبيا منه مهما كانت الأسباب، مع ضرورة إخضاع تلك الجهة للمساءلة والمحاسبة الدورية من مجلس النواب.

2. التوقف عن ترتيب الدين العام خارج المحدد في الميزانية العامة الموحدة للدولة الليبية، ووضع آليات لسداد ما ترتب منه في الماضي، وإلغاء ازدواجية الميزانية العامة المعمول به حاليا.

3. توحيد مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، والالتزام بأحكام قانون المصارف في هذا المجال، والإيعاز لمصرف ليبيا المركزي من قبل السلطة التشريعية باتخاذ التدابير المناسبة لمعالجة المختنقات النقدية والمالية، وإقرار سياسة سعر الصرف التي يراها مناسبة، وتحديد آليات التنفيذ وتوقيته.

4. تبنّي الإطار العام لحزمة السياسات الاقتصادية التي وضعها فريق الخبراء متعدد الأطراف المكلف من المجلس الرئاسي، والسياسات الاقتصادية التفصيلية التوافقية المتممة التي أعدت تحت إشراف مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، إذ تتضمن هذه السياسات المقترحة معالجات لكامل المشاكل الاقتصادية القائمة حاليا، ومقترحات بالإجراءات الممكن اتخاذها حيال هذه المشاكل.

5. توحيد مصادر النقد الأجنبي (الجهات التي تدير نقدا أجنبيا ضمن مهامها ومسؤولياتها، والتي لها مداخيل بالنقد الأجنبي)، بحيث تدار في شكل مجمع لهذه الموارد لدى مختلف الجهات، وتحت إشراف جهة واحدة ( قد تكون لجنة مشتركة )، وعدم ترتيب أية التزامات بالنقد الأجنبي أو أوجه صرف خارج ما يُتفق بشأنه كموازنة للصرف بالنقد الأجنبي على مختلف الأوجه لمصلحة جميع الأقاليم والمناطق الليبية، ووفقا لأولويات محددة، إلى حين تجاوز الأزمة.

هذه الإجراءات ستكون كفيلة بإيقاف النزيف، وتمهيد الظروف المناسبة للدخول في مرحلة انتقالية جديدة ينتهي خلالها الانقسام السياسي، وضبط وتنظيم الإنفاق العام، وإدارة موارد النقد الأجنبي المحدودة.

أما خلال المرحلة الانتقالية الجديدة (مرحلة ما بعد الانقسام والنزاع) فإن الاعتبارات التالية ستكون مفيدة في التمهيد لبناء الدولة:

1- سيكون على الحكومة المقبلة تبنّي رؤية محددة للاقتصاد الوطني تتمحور حول تنويع الاقتصاد، وخلق مصادر جديدة للدخل (تجارة العبور، المناطق الحرة، الصناعات التصديرية، السياحة )، وتقليل الاعتماد على دخل النفط وصولا إلى الاستغناء عنه، واستغلال مصادر الطاقة النظيفة.

2-ستكون إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني المدخل الاستراتيجي المناسب لتحقيق الرؤية المنشودة، بحيث يضطلع القطاع الخاص الوطني بدور رئيسي في إنتاج السلع والخدمات، وتمويل جزء مهم من ميزانية التنمية، وإيجاد شراكة حقيقية مع القطاع العام في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

3- تتطلب المرحلة المقبلة مراجعة بعض القوانين والتشريعات النافذة، وإصدار ما يستوجب إصداره من قوانين تتناسب مع استحقاقات المرحلة وتحدياتها.

4- وضع أولويات للعمل ضمن برنامج تعتمده الحكومة، وترصد له الأموال اللازمة يقتضى قيام الحكومة ببسط الأمن واستتبابه، وتفعيل دور الشرطة، وبناء الجيش، وإعادة تقديم الخدمات العامة المتمثلة في التعليم والصحة، ومعالجة المختنقات التي تعانى منها هذه القطاعات، والاهتمام بالبيئة، وحل مشكلة الكهرباء، وتوفير مياه الشرب.

5- إعادة بناء مؤسسات الدولة وتفعيل دورها بحيث تصبح هذه المؤسسات احتوائية ( lnclusive institutions ) تعمل على بناء القدرات، وتتبنى الحوكمة كأسلوب في الإدارة واتخاذ القرارات، وتعتمد الشفافية والتداول السلمى للسلطة على كافة المستويات، وتحارب الفساد.

6- البدء في بناء شبكة للحماية الاجتماعية تستهدف الفئات السكانية الهشة والفقيرة، ومن هم على حافة خط الفقر… إلخ بحيث تؤسس بناءً على استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية .

د. محمد بوسنينة

5 سبتمبر 2017

*الأفكار والآراء الواردة في المقالة لا تعبر بالضرورة عن موقف مصرف ليبيا المركزي، وإنما تعبر عن وجهة نظر الكاتب.

استنكار محلي ودولي لهجوم تنظيم الدولة على مجمع المحاكم بمصراتة

السراج يعرب عن ارتياحه للتطورات الإيجابية بمدينة صبراتة